للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ضرورتها إلا حين يفتقدها في الشعر الحر. أنه إذ ذاك مضطر إلى مضاعفة جهده، وحشد قواه لتجنب "الانحدار" من تفعيلة إلى تفعيلة دونما تنفس. ولنلاحظ أسلوب الوقوف في أوزان الخليل ونقارنه بما يقدمه الشعر الحر من إمكانيات في هذا الباب.

إن البحور الستة عشر ذات الشطرين، تقف عند نهاية الشطر الثاني من البيت وقفة صارمة لا مهرب منها، فتنتهي الألفاظ وينتهي المعنى وتقوم حدود البيت واضحة فتميزه عن البيت التالي وكلنا يعلم أن استقلال البيت كان يعد فضيلة القصيدة لدى العرب القدماء، بحيث كانوا يعتبرون "التضمين" عيبًا فادحًا. والتضمين هو ارتباط آخر البيت المقفى بأول البيت التالي إعرابيًّا ومعنويًّا. وهو معيب حتى في شعر الشطرين المعاصر ومنه قول الشاعر بدوي الجبل في مرثيته الجميلة للملك غازي الذي قاوم الاستعمار البريطاني في العراق وتحداه، فقتله نوري السعيد سنة ١٩٣٩ ... قال بدوي الجبل:

خضبت عرة الصباح فقد نـ ... ـم عليها بالعطر والتوريد

قدر أنزل الكمي عن السر ... ج وألوى بالفارس المعدود

فقد جاءت كلمة "قدر" في أول البيت الثاني مع أنها فاعل الفعل "نم" في البيت الأول، وهذا هو التضمين.

كل هذا جار في شعر الشطرين الخليلي الذي يتمسك أشد التمسك باستقلال البيت. أما الشعر الحر الذي تكون وحدته التفعيلة فإنه يتعمد تحطيم استقلال الشطر تحطيمًا كاملًا، لذلك لا نجد له وقفات ثابتة حتى مع وجود القافية في نهاية كل شطر، وإنما يترك الشاعر حرًّا يقف حيث يشاء.

ومعنى ذلك أن الشاعر، في الشعر الحر، ليس ملزمًا أن ينهي المعنى والإعراب عند آخر الشطر، وإنما يجعل من حقه أن يمدهما إلى الشطر التالي أو ما بعده. وعلى هذا تترك مسألة الوقوف للشاعر يتصرف فيها بما يملي

<<  <   >  >>