للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أول شاعر اكتشف طريقة مزج الوزنين الرمل والهزج بحيث يفضي أحدهما إلى الآخر باستعمال ضرب معين.

وفي هذا الكتاب فصل كامل درست فيه وزن البند. وأضيف الآن إلى ما قلت أن البنود التي وردت من الهزج وحده كانت -في نظري- أخطاء وقع فيها شعراء ضعاف السمع لم ينتبهوا إلى روعة النغم في البند، وذلك التداخل العجيب بين وزنين على أساس الدائرة التي ينتميان إليها. والواقع أن طائفة من الشعراء نظموا البند دونما شاعرية ولا موهبة فكانوا يجيئون خلاله بأشطر أو حتى أبيات متساوية الطول، وهذا ينم عن قصورهم السمعي وعدم قدرتهم على تقدير الخاصية الأصيلة في البند وهي أنه شعر يخرج على الطول الموحد الثابت للشعر العربي. ثم إن المتزمتين من الشعراء -وهم إذ ذاك الأكثرية- قد رفضوا أن يعدوا البند شعرًا وإنما اعتبروه نوعًا من السجع أو لونًا من النثر المبتذل وتعالوا عن أن يستعملوه. وهؤلاء لا يستطيعون أن يجيبوا: لماذا إذن يمكن تقطيع البند تقطيعًا كاملًا على الرمل والهزج بتشكيلاتهما الموجودة في كتب العروض؟ وهل الموزون على هذين البحرين سجع أو نثر؟

والسؤال المهم الذي يرد هنا هو هذا: هل أخذت أنا -أو أخذ بدر السياب يرحمه الله- أسلوب الشعر الحر من البند؟ الجواب أنني نظمت الشعر الحر أول مرة عام ١٩٤٧ وكنت أعرف "البند" اسمًا فقط لأنني لم أقرأ بندًا قبل سنة ١٩٥٣. وهذا معقول ومبرر لأن البند لم يرد في كتب الأدب التي درسناها ولا أشار إليه أي كتاب قرأته.

لا بل إن الأدباء خارج العراق أغلبهم لم يسمع بالبند اللهم إلا بعد صدور كتابي هذا سنة ١٩٦٢، ولا أقول بعد صدور كتاب الدجيلي سنة ١٩٥٩، فإن هذا الكتاب الشديد الأهمية لا يكاد يكون وزع خارج العراق مطلقًا، مع أنه يستحق أن يطبع طبعات كثيرة ويتلاقفه آلاف من المعنيين بالشعر الحر على الأقل.

<<  <   >  >>