قلت: سيدي أقدم لكم هذه الرسالة باسم الطلبة. قال: ضعها على المكتب، فوضعتها حيث أمر وانصرفت. فما هو الا بعض الوقت حتى خرج الينا، واقتعد كرسيه، مفتتحا درسه في فن (مصطلح الحديث) الذي استغرق فيه خمسين دقيقة في التعريف به مع الشرح والتحليل، والتقديم، وحين انتهى منه طوف بنظراته المشوبة بالابتسام من اليمين الى اليسار، ومن اليسار الى اليمين صامتا، ثم قال:
يا قوم لم أهجركم لملالة ... مني ولا لمقال واش حاسد
لكنني جربتكم فوجدتكم ... لا تصبرون على طعام واحد
ثم قام وانصرف، وكان البيتان أبلغ جواب على المقترح والرسالة. لكنه - رحمه الله - ما طالت المدة حتى سارع في تلبية رغبتنا، فأدرج ضمن البرنامج قصيدة (زهير بن أبي سلمى)، وكنا نتلقى درسها في سدة المسجد، حيث إن قاعته مشغولة.
هذا ما سجلته على الكتاب الأول، وأما الكتاب الثاني: فقد سبقني الى نشره أخي وزميلي في التلمذة الأستاذ محمد الصالح رمضان في سنة ١٩٦٦ - نشر الشركة الجزائرية.
وهذا الكتاب أيضا قد قدم درسا واملاء لتلاميذ السنة الأولى أو الثانية، لا أذكر ذلك على وجه التحديد، والذي أتذكره هنا ان الساعة التي تقدم فيها املاآته كانت فارغة بالنسبة لي، وأستاذنا لا يسمح لغير طلبة القسم الخاص بالحضور. ولتطلعي للمعرفة، وشغفي بالمزيد منها، وشدة تعلقي بالأستاذ، بحيث كنت أتمنى ألا يفوتني منه شيء لو وجدت الى ذلك سبيلا. عمدت الى حيلة توصلت بها الى تسجيل هذا الدرس وحضوره في جميع حصصه. وكنت أصعد الى سدة المسجد، ومعي الزميل الأستاذ بلقاسم