للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فقد ذهب كثير من النحاة، في مثل قولك (خالد دائب في عمله) أنه بمعنى قولك (خالد يدأب في عمله) . ورأى الجرجاني غير ذلك حين أكد أن في دلالة الفعل، أي المضارع وهو (يدأب) من التجدد ما ليس في الاسم، وهو اسم الفاعل (دائب) . وأشار إلى مثل ذلك بعض الأئمة. قال ابن مالك في (ألفيَّته) : "أحمد ربي الله خير مالك" فعقب الأشموني على هذا فقال: أي أثنى عليه الثناء الجميل اللائق بجلال عظمته وجزيل نعمه، التي هذا النظم من آثارها وأردف: "واختار صيغة المضارع المثبت لما فيه من الإشعار بالاستمرار التجددي. أي كما أن آلاءه تعالى تتجدد في حقنا دائماً، كذلك نحمده بمحامد لا تزال تتجدد.." وفي قوله: "واختار صيغة المضارع" ما يشعر بخصوصية هذه الصيغة في الدلالة على التجدد.

وهذه شواهد الجرجاني وأمثلته. ومنها قوله تعالى: ?وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد –الكهف /١٨?. قال الجرجاني: "فإنّ أحداً لا يشك في امتناع الفعل ها هنا، وأن قولنا: وكلبهم باسط ذراعيه، لا يؤدي الغرض. وليس ذلك إلا لأن الفعل يقتضي مزاولة وتجدد الصفة في الوقت، ويقتضي الاسم ثبوت الصفة وحصولها من غير أن يكون هناك مزاولة وتزجية فعل ومعنى يحدث شيئاً فشيئاً، بل تثبته بصفة هو عليها، فالغرض إذن تأدية هيئة الكلب /١٣٤". وقد ذهب جماعة إلى أن اسم الفاعل في الآية، وهو (باسط) جاء للماضي، أي أن زمن حصوله للمخبر عنه سابق نزول الآية الكريمة على رسول الله (?) ، وقد أجيب عن ذلك بأن الكلام قد جاء على حكاية الحال، بدليل قوله تعالى (وكلبهم باسط) والواو للحال، ولا يحسن أن يقال هنا: وكلبهم بسط، بالماضي، وإنما يحسن أن يقال بعد واو الحال: وكلبهم يبسط. وقد جاء قبل الآية قوله تعالى: ?ونُقَلِّبهم ذات اليمين وذات الشمال? فأتى فيها بالفعل المضارع الدال على الحال أو الاستقبال.

<<  <   >  >>