للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وإذا كانت مادة النحو لا تتجاوز الحكم على أواخر الكلم وعلامات الإعراب، فلا شك في أن عالم النحو المحيط به خُبراً الواقف على جليل أحكامه ودقيقها، يستطيعُ أن يتحاشى الخطأ في بيانه وتعبيره ويتبين صحيح الكلام من فاسده، لكنه قاصر أن يتعرَّف كيف يكون إحكام الأداء وإحسان التعبير وإجادة السبك، وتمييز سديد الكلام من سفسافه، بل قاصر أن يتعرَّف كيف يكون انتهاج سبيل الفصحاء في تأليف الكلام نثراً ونظماً، وهو ما قد أشرنا إليه في كتابنا (مسالك القول في النقد اللغوي –ص /٦٢) .. وأنَّى لدارس النحو هذا أن يعي نظام صياغة كلام العرب ومتصرف قولهم ويستشف طرق نسجهم وحبكهم إذا انحرف عن غرض النحو في تعرّف روح العربية ونهجها في التأليف والتعبير وتصريف المعاني فقصر النحو على بحث أثر العوامل في أواخر الكلم.

ولا شك أن الجرجاني قد وفق في ما ذهب إليه من تجاوز ظواهر الاعراب إلى تبين أسراره وأغراضه ودواعيه. فإذا نحن أفردنا مذهب الجرجاني لنجعل منه مادة لعلم المعاني وحسب، وحبسناه عن مادة النحو، فقد بخسنا النحو حقه بل أيبسنا نسغه وغضنا ماءه وأذهبنا نداوته.

وقد كشف الدكتور أحمد البدوي في كتابه (عبد القادر الجرجاني) عما انتهى إليه الجرجاني في كتابيه (دلائل الإعجاز) و (أسرار البلاغة) من أن أصل المعنى يمكن أن يعبَّر عنه بطرق مختلفة، وأن لكل عبارة من ذلك معناها الخاص الذي تفترق به عن العبارة الأخرى، لأن العبارتين لا يمكن أن تؤديا معنىً واحداً، إلا إذا اتفقنا من جميع الجهات.

أقول هذا ما فات كثيراً من النحاة أن ينبهوا عليه ويفصحوا عنه، في كثير من الأحيان، فأغفلوه وتجاوزوه حين أغرقوا في الصناعة اللفظية، وقصروا الاهتمام على ضبط أواخر الكلم.

مذهب العلاَّمة الحصري في الجملة الفعلية والاسمية:

<<  <   >  >>