للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد تكلف الأئمة من الجهد، في تقليب الأصل الواحد على وجوهه كيف شُكلت، ما ألجأهم إلى مضايق ومآزق لا مخرج منها ولا محيض. قال ابن جني في الخصائص (١/١١) : (على أن هذا وإن لم يطَّرد وينقد في كل أصل، فالعذر على كل حال فيه، أبين منه في الأصل الواحد، من غير تقليب لشيء من حروفه. فإذا جاز أن يخرج بعض الأصل الواحد من أن تنظمه قضية الاشتقاق، كان فيما تقلبت أصوله، فاؤه وعينه ولامه، أسهل، والمعذرة فيه أوضح) .

وقال السيوطي في مزهره (١/٢٠٢- ط. المكتبة الأزهرية) : (ولا ينكر مع ذلك أن يكون بين التراكيب المتحدة المادة معنى مشترك بينها هو جنس لأنواع موضوعاتها. ولكن التحيل على ذلك في جميع مواد التركيبات كطلب لعنقاء مغرب) ١.

وهكذا تراءى لابن جني في تقاليب (ك ل م) القوة والشدة، وتقاليب (ق ول) الإسراع والخفة. كما تصور في تقاليب (ج ب) القوة والشدة أيضاً. واستدراك فقال: (وإن تباعد شيء من ذلك رُد بلطف الصنعة والتأويل إليه، كما يفعل الاشتقاقيون ذلك في التركيب الواحد) وأشار إلى أن في تركيب (جبر العظم) قوة، وفي (جبر الملك) قوته، وأنه إذا (جربت) المرءَ أمور اشتدت بها شكيمته، و (الجراب) للحفظ، وفي الحفظ قوة.. وهكذا (البرج) ففيه قوة، و (الرجبة) ما تستند إليه النخلة، وفي الدعم والإسناد قوة. لكنه ذكر (البجرة) وقال إنها (السرة) ، وفي السرّة نتوء وغلظة فأين ملمح القوة فيهما، أتراه في قولهم (هذا أمر بجريّ) أي عظيم، والجمع البجاري وهي الدواهي العظام؟ وهو لم يعرض (للجرب) وهو داء الجلد.

فقد جاء في الصحاح: (أجرب الرجل جربت إبله.. وأرض جرباء مقحوطة) فأين ملحظ القوة في هذا؟

قال الدكتور صبحي الصالح في كتابه دراسات في فقه اللغة/ ٢١٩ (ترى ألم يكن ممكناً أن يسلك ابن جني تقليب – ج ر ب- في باب التضاد الذي هو ضر ب من المشترك فيكون في الرجل المجرّب معنى القوة، وفي الرجل الأجرب معنى الضعف!) .

<<  <   >  >>