أقول لسنا نأبى في هذا تأويلاً، وباب التأويل متسع ومذاهب الاحتيال لا تضيق، ولكن إذا جاز أن تتسع في تلمس المعنى المشترك الذي يتأدى إلى ضم دلالات هذه التقاليب حتى نستسيغ أن نؤلف بين المعنى وضده، فأي تلطف هذا الذي نتذرع به ليؤول الأمر به إلى عكس مآله. أوليس صنيعنا هذا أشبه أن يكون تلعُّباً لا يثمر ولا الظن، أو تحيلاً لا يقذف إلا بالغيب ولا يضرب إلا في شعاب الرجم.
أما ما ذهب إليه الدكتور الصالح من أن باب التضاد يعد ضرباً من المشترك، فيمكن أن يصدق هاهنا إذا ابتغينا لصور المادة جنساً آخر من المعنى يحتمل الجمع بين القوة والضعف كالجلل حين يقدّر أنه موضوع للغاية في الشيء فيوصف به العظيم والحقير.
هذا وقد حمل التكلف أو التعسر في التأويل الإمام السيوطي إلى أن يقول في مزهره حول الاشتقاق الكبير (١/٢٠٨) : (وهذا مما ابتدعه الإمام أبو الفتح وكان شيخه الفارسي يأنس به يسيراً، وليس معتمداً في اللغة ولا يصح أن يستنبط به اشتقاق في لغة العرب) . ومن ثم كان لا بد في التماس الدلالات لمختلف صور المادة أن يحتاط مما يروم منه الباحث مراماً قصياً يضيق عنه طوقه ويفوت ذرعه فتقصر عنه كل همة. ولم يقف الأئمة في الاشتقاق الكبير عند تقليب الثلاثي بل تصوروا احتمال التقليب فيما فوقه. وقد بحث هذا الاشتقاق العلامة الحاتمي وتلميذه السكاكي في مفتاح العلوم بما رواه عنه، وابن الأثير في المثل السائر. قال السكاكي في المفتاح (٧) : (وإن تجاوزت إلى ما احتملته من معنى أعم من ذلك كيفما انتظمت، مثل الصور الست للحروف الثلاثية المختلفة من حيث النظم، والأربع والعشرين للأربعة، والمائة والعشرين للخمسة، سمِّي الاشتقاق الكبير) . ولا شك أن هذا تصور عقلي يعوزه التطبيق والاستقراء كما يقول الشيخ العلايلي في كتابه (مقدمة لدرس لغة العرب/ ٢٠٦) .