وإذا كان العرب قد حذفوا الجار على الاتساع سماعاً، في الفعل اللازم، أي الذي يتعدى بالحرف عامة، فاسمي هذا (الحذف والإيصال) كقولك (جئت فلاناً) ، فإنهم حذفوا الجار على الاتساع أيضاً قبل الأمكنة المختصة، خاصة، واسمي هذا عند كثرة النحاة (نزع الخافض) كقولك (جئت البيت) فما قول النحاة فيما نصب بعد حذف الجار منه على الاتساع، هنا وهناك، والأمر فيهما سواء؟
قال الأستاذ جواد:(تكلمنا سابقاً على التعدية اللفظية والتعدية الحقيقية، والمفعول به اللفظي والمفعول به الحقيقي.. وذكرنا من ذلك ما لم يعرفه علماء النحو لأنهم لم يفكروا فيه، وإنما كان وكدهم أن يعينوا المنصوب ويميزوه..) . فهل غفل النحاة حقاً وشُغلوا عن فارق ما بين المفعول به الذي يباشره الفعل المتعدي أصلاً لوقوع فعل الفاعل عليه، والاسم المنصوب الذي لا يباشره الفعل اللازم إلا بعد حذف الجار اتساعاً لانتفاء وقوع فعل الفاعل عليه؟
هل عرف النحاة المفعول الحقيقي والمفعول اللفظي؟
إذا كان الأستاذ جواد قد أتى بالأدلة على سداد التفريق جملة بين المفعولين المذكورين، فإن علينا، كما يبدو، أن نستظهر بالحجج على أنه كان فيما شرح وبسط وأفاض، أدنى إلى الاحتذاء منه إلى الابتداء، وأن النحاة قد تطرقوا إلى بحث الخلاف بين هذين الموضعين وعرضوا له وأوسعوه بحثاً ودرساً، وأن في دعوى الأستاذ إجحافاً بحق هؤلاء وانتهاكاً.
سيبويه والتعدية اللفظية والمعنوية:
هذا إمام الصناعة سيبويه قد عرض في كتابه (١ / ١٠٨) لما ٍأسماه (استعمال الفعل في اللفظ لا في المعنى) فذكر أن العرب تتسع في الكلام فتوجز وتختصر بالحذف فتستعمل الفعل في اللفظ دون المعنى. ومما مثل به لذلك قول عامر بن الطفيل:(ولأبغينَّكم قَنا وعُوارضا) .
فأصل الكلام (ولأبغينَّكم بقنا ... ) قال سيبويه: (ولكنه حذف وأوصل الفعل) . فالضمير المتصل في (أبغينكم) منصوب على الأصل بوقوع فعل الفاعل عليه فهو مفعول به حقاً.