لا شك في أن الباب في الاشتقاق أن تردَّ مفردات المادة اللغوية إلى أصل. هذا ما يكشف عن سر اللغة وخصوصها. ولكن قد يحول دون ذلك إلى حائل يغدو به الأصل منيع الدرك عزيز المنال. وهذا ابن فارس فقد عمد، حين حقق مذهبه في الاشتقاق في معجمه الفذ (مقاييس اللغة) ، إلى رد المادة إلى أصل حيناً وإلى أصلين أو أكثر، هذا إذا اتفق له الاهتداء إلى أصل. وليس هذا عجباً فقد يتعدد الأصل أو يتعذر فيكون في التماسه والتلطف له تكلف وعسر، وقد يضل الرائد في طلبه فيطمع في غير مطمع. وأفصح ابن جني عن هذا في الخصائص (١/٥٢٥) إذ كشف أن الاشتقاق لا ينقاد في كل مادة، صغيراً كان أم كبيراً. قال أبو الفتح: -واعلم أنا لا ندعي أن هذا مستمر في جميع اللغة، كما لا ندعي للاشتقاق الأصغر- أي الصغير وهو ما نحن فيه- أنه في جميع اللغة) .
فقد عرض ابن فارس لـ (رطل) فلم يكشف عما يكون أصله فقال (الراء والطاء واللام كالذي قبله –أي ليس بشيء. إلا أنهم يقولون للشيء يكال به:
رطل. ويقولون غلام رطل: شاب، ورطّل شعره كسره وثناه) . وتكلف ابن جني في الخصائص لهذا فقال (١/٥١٣. ط-١٩١٣) : (ومثل الأول قولهم غلام رِطل وجارية رِطلة للينها. وهو من قولهم رطّل شعره إذا أطاله فاسترخى.
ومنه عندي الرطل الذي يوزن به. وذلك أن الغرض من الأوزان أن تميل أبداً إلى أن يعادلها الموزون بها، ولهذا قيل مثاقيل فهي من الثقل. فالشيء إذا ثقل استرسل وأرجحن فكان ضد الطائش الخفيف) : وأرجحن الشيء مال وثقل.