للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد جاء عن العرب قولهم (كذب عليك الأمر) إذا وجب عليك فعله فأغريت به. قال ابن السكيت في (إصلاح المنطق/ ٣٢٢) : (وتقول للرجل إذا أمرته بالشيء وأغريته به كذب عليك كذا وكذا، أي عليك به. وهي كلمة نادرة جاءت على غير القياس. قال عمر بن الخطاب، رحمه الله، يا أيها الناس كذب عليكم الحج، أي عليكم بالحج) . قال ابن السكيت هذا ولم يشأ أن يحمل معنى (كذب) في المثل، على معنى (الكذب) بتأويل. كذلك فعل الجوهري في الصحاح حين قال: (وكذب قد يكون بمعنى وجب) ثم حكى ما جاء به ابن السكيت.

وفعل الإمام التبريزي في تهذيبه ما فعل الجوهري، كما جاء في المزهر (١/٢٢٦) .

وذهب صاحب المفردات مذهباً آخر فحاول أن يجعل (كذب) في المثل مجازاً من (كذب) بمعناه المعروف فقال (كذب لبن الناقة إذا ظن أنه يدوم مدة فلم يدم) أي ذهب عليك أو كاد يفوتك فبادر. ومن هذا كذب عليك إذا وجب فإنه (كقوله قد فات الحج أي كاد يفوت) فبادر. فتكلف في تأويله.

وقد أطنب الزمخشري في الفائق وأطال في تخريجه، كما يقول ابن الأثير في النهاية. فذهب إلى أنه من قول العرب (كذبته نفسه) إذا منته الأماني وخيلت إليه من الآمال ما لا يكاد يكون، وذلك مما يرغب الرجل في الأمور.. ثم جعل تقدير المثل جملتين (كذب الحج) و (عليك الحج) فحذف ما حذف وأصبح المثل (كذب الحج) . وفي هذا من التكلف ما هو باد جلي. وحكى الشيخ طاهر الجزائري يف حاشية خطبة الكافي (٢٣) تأويلاً آخر لم يبرأ من تعسر، فاستقر بهذا تعذر تأويل المثل وفك مشكله على وجه ينجلي به الشك فيخلص إلى ما يشبه اليقين.

***

<<  <   >  >>