وقد يذهب الأمر إلى ما وراء ذلك فيدل اللفظ على معنى لا سبيل إلى الكشف عن أصل اشتقاقه والاهتداء إليه بقاعدة أو استنباط. قال ابن جني في الخصائص (١/٢٥٧. ط –١٩١٣)(واحتج أبو بكر عليه- أي علي أبي اسحاق- بأنه يؤمن أن هذه الألفاظ المنقولة إلينا قد كانت لها أسباب لم نشاهدها، ولم ندر قاعدتها. ومثل له بقولهم: رفع عقيرته إذا رفع صوته. قال أبو بكر: فلو ذهبنا نشتق لقولهم –عقر- من معنى الصوت لبعد الأمر جداً. وإنما هو أن رجلاً قطعت إحدى رجليه فرفعها ووضعها موضع الأخرى، ثم نادى وصرخ بأعلى صوته. فقال الناس: رفع عقيرته، أي رجله المعقورة. وقال أبو بكر: فقال أبو اسحاق فلست أدفع هذا) . وقال الجوهري في الصحاح (.. فقيل بعد لكل رافع صوته قد رفع عقيرته) . وقال الزمخشري في أساسه:(ورفع عقيرته: صوَّت) .
***
وقد يكون قد اعترى اللفظ في استحكام بنيته صنوف من التقليب والإبدال بعدت به عن هيكله ... أو يكون قد نسب إلى لهجة من اللهجات العربية (أو التي اعتدت عربية) غير لغة قريش التي سادت ما أسموه باللهجات الشمالية فكانت اللسان المبين الذي نزل به القرآن.
قال أبو بكر بن دريد في (الاشتقاق /٥٣٣) حول أسماء قبائل ذي الكلاع:
(وقد عرَّفتك آنفاً أن هذه الأسماء الحميرية لا نقف لها على اشتقاق، لأنها لغة قد بعدت وقدم العهد بمن كان يعرفها) . وقال ابن جني في الخصائص (١/٣٩٥. ط-١٩١٣) : (وبعد فلسنا نشك في بعد لغة حمير ونحوها عن لغة بني نزار. فقد يمكن أن يقع شيء من تلك اللغة في لغتهم فيساء الظن فيه بمن سمع منه. وإنما هو منقول من تلك اللغة. ودخلت يوماً على أبي علي رحمه الله.. قال ما تقول فيما جاء عنهم من حوْريت. وخضنا معاً فلم نحل بطائل منه، فقال هو من لغة اليمن ومخالف للغة بني نزار، فلا ينكر أن يجيء مخالفاً لأمثلتهم) وحوريت اسم موضع. ولم نَحْلَ بطائل أي لم نظفر.