ولنأخذ المثال الأول:(ألبس فلاناً جبَّة) ففلان هو المفعول به الحقيقي، وجبة هو اللفظي، على حد تعبير الأستاذ. وقد أورد الإمام الرضي نظيراً لهذا المثال فقال (كسوت زيداً جبة)(وجعل زيداً) المفعول به الظاهر لفعل (كسا) ، لأن زيداً هو (المكسوّ) ، وإنما هو (المكتسى) ، و (جبَّة) على هذا مفعول فعل هو مطاوع لـ (كسا) ، وهو (اكتسى) . وإذا كان (جبة) ليس مفعولاً لـ (كسا) في المعنى، لأن فعل الفاعل لم يقع عليه، فماذا يكون إذاً بالإضافة إليه؟ لم يبق إلا أن تقول إنه مفعول (كسا) في اللفظ دون المعنى، لأن المعنى على (اكتسى) ، وهو الفعل المقدر.
ذلك أن الرضي قد جعل ضابط (المفعول به) ، في الأصل، أن يوصف باسم المفعول المصوغ من فعله دون قيد، لهذا اعتدَّ المفعول في قولك (قربت زيداً وجئت زيداً وبعت زيداً.. وأمثالها) ملحقاً بالمفعول به، لأنه على حذف الجار في الأصل. فإذا أردت وصف (زيد) فيها قلت (مقروب منه ومجيء إليه ومبيع منه) لا (مقروب ومجيء ومبيع) . فإذا عرفت هذا فانظر إلى ما قاله الرضي:(باب كسوت وأعطيت متعد إلى مفعولين حقيقة، لكن أولهما مفعول هذا الفعل الظاهر، إذ زيد في قولك: كسوت زيداً جبة، وأعطيت زيداً جبَّة، مكسو ومعطى. وثانيهما مفعول مطاوع هذا الفعل، إذ الجبة مكتساة ومعطاة أي مأخوذة..) فما الذي يعنيه هذا؟ ألا يعني أن فعل الفاعل قد وقع على المفعول الأول وهو (زيد) ، وأن الثاني قد وقع عليه حدث الفعل المطاوع في المعنى.