للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال ابن جني: (وإنما قال النحويون: عامل لفظي وعامل معنوي ليُروك أن بعض العمل يأتي مسبباً عن لفظ يصحبه، كمررت بزيد، وليت عمراً قائم، وبعضه يأتي عارياً من مصاحبة لفظ يتعلق به كرفع المبتدأ بالابتداء، ورفع الفعل بوقوعه موقع الاسم) ، وأكد ذلك بقوله (اعلم أن القياس اللفظي إذا تأملته، لم تجده عارياً من اشتمال المعنى عليه) . ونظير ذلك كلام الشيخ أمين السفرجلاني في القطوف الدانية، إذ قال (العامل اللفظي ما يكون للسان فيه حظ.. والعامل المعنوي ما لا يكون للسان فيه حظ..) . والكلام في كل ذلك واضح مبين. فأين هذا من رد الأستاذ جواد وقوله: (فالعامل وجد بوجود الفعل، ووجد بوجود الفاعل، وإنما كانت نسبة الضرب إلى الفعل لأنه نتيجة له، ومن جنسه..) ؟ بل أين هذا الذي بسطه ابن جني وأوضحناه من قول الأستاذ: (وكان ابن جني واسع الخيال يتلَّعب بالكلام تلعباً) ؟

النُحَاة وحُروفُ الجَرّ ــ صلاح الدين الزعبلاوي

هذا بحث طريف، حاجة الكتَّاب إليه ماسة ملحة، وهم إذا أصابوا فيه خطأ وظفروا منه بطائل وتعلقوا بسبب وثيق، كان لهم من ذلك مادة قوية في ممارسة الكتابة وإتقانها، وعون وظهير في تصريف المعاني وتوجيه دلالاتها، وسوقها متناسقة متناظمة، دون لبس أو خلل. وقد جاء للمتقدمين وكثير من المحدثين المتأخرين من هذا النمط ما لا يدافع في حسنه. وإذا هم أخلُّوا بالأصل المعوَّل عليه في استعمال هذه الحروف وعبثوا بضوابطها فجروا على غير العرف العربي في تصريفها أسخفوا بالكتابة وانحطُّوا بها إلى ركاكة العامة، فطال الخطب في ذلك وعسر واستوسع الوهي وكثر، وكان لنا منه أمثلة غثة باردة هي أشبه شيء بالثياب المتداعية كلما حيصت من جانب تهتكت من آخر.

<<  <   >  >>