للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فوات الوقت، فصلوا دون بني قريظة، وقال آخرون لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله فما عنف أحد الفريقين. (١)

وقد نبه المازري على وجه اختلافهم هذا فقال: «إنما جاز للصحابة الاختلاف في هذا الكتاب، مع صريح أمره لهم بذلك، لأن الأوامر قد يقارنها ما ينقلها من الوجوب، فكأنه ظهرت منه قرينة، دلت على أن الأمر ليس على التحتم، بل على الاختيار، فاختلف اجتهادهم، وصمم عمر على الامتناع، لما قام عنده من القرائن بأنه قال ذلك عن غير قصد جازم، وعزمه كان إما بالوحي وإما بالاجتهاد، وكذلك تركه إن كان بالوحي فبالوحي وإلا فبالاجتهاد، وفيه حجة لمن قال بالاجتهاد في الشرعيات». (٢)

فتبين أن اختلافهم ناشئ عن اجتهاد في فهم كلام النبي ومراده، وإذا كان علماء الأمة من بعدهم قد اختلفوا في فهم النصوص اختلافاً كبيراً في مسائل كثيرة إلى أقوال متعددة ولم يُذَموا بذلك لما تضافرت به النصوص من رفع الحرج عنهم، بل أجرهم على الاجتهاد على كل حال، فكيف يذم أصحاب النبي باختلافهم في مسألة جزئية مجتهدين، بعد أن عذرهم رسول الله ولم يعنف أحداً منهم بل أخذ بقول الطائفة المانعة من كتابة الكتاب، ورجع إلى قولها في

ترك الكتابة.

وأما ما ادعاه الرافضي من أن اختلاف الصحابة، وما ترتب عليه من عدم كتابة النبي لهم ذلك الكتاب هو الذي حرم الأمة من العصمة إلى آخر كلامه في هذا

فقد تقدم الرد عليه مفصلاً بما يغني عن إعادته هنا وليراجع في موضعه. (٣)


(١) انظر: المفهم ٤/ ٥٥٩.
(٢) نقله عنه ابن حجر في فتح الباري ٨/ ١٣٤، كما نقله النووي في شرحه لصحيح مسلم ١١/ ٩٢، وبينهما اختلاف يسير، والذي يظهر أن في نقل ابن حجر تصرفاً واختصاراً.
(٣) انظر: ص ٢٢٧ ومابعدها.

<<  <   >  >>