للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: هذيانا، فدع التوقف وقرب الكتف، فإنه إنما يقول الحق لا الهجر، وهذا أحسن ما يحمل عليه». (١)

قلت: وهذا يدل على اتفاق الصحابة على استحالة الهجر على الرسول ، حيث إن قائليها أوردوها على سبيل الإنكار الملزم، الذي لا يشك فيه المخالف، وبه تبطل دعوى الرافضي من أصلها.

الوجه الثاني: أنه على فرض صحة رواية (هجر) من غير استفهام، فلا مطعن فيها على قائلها، لأن الهجر في اللغة يأتي

على قسمين: قسم لانزاع في عروضه للأنبياء، وهو عدم تبيين الكلام لبحّة الصوت، وغلبة اليبس بالحرارة على اللسان، كما في الحميات الحارة، وقسم آخر: وهو جريان الكلام غير المنتظم، أو المخالف للمقصود على اللسان لعارض بسبب الحميات المحرقة في الأكثر.

وهذا القسم محل اختلاف بين العلماء في عروضه للأنبياء، فلعل

القائل هنا أراد القسم الأول، وهو أنا لم نفهم كلامه بسبب

ضعف ناطقته، ويدل على هذا قوله بعد ذلك

(استفهموه). (٢)

الوجه الثالث: أنه يحتمل أن تكون هذه اللفظة صدرت عن قائلهاعن دَهَشٍ وحَيْرةٍ أصابته في ذلك المقام العظيم، والمصاب الجسيم، كما قد أصاب عمر وغيره عند موت النبي قاله القرطبي. (٣)

قلت: وعلى هذا فقائلها معذور أياً كان معناها، فإن الرجل يعذر بإغلاق الفكر والعقل، إما لشدة فرح أو حزن، كما في قصة الرجل الذي فقد دابته ثم وجدها بعد يأس فقال: (اللهم أنت عبدي، وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح). (٤)


(١) انظر: المفهم ٤/ ٥٥٩.
(٢) انظر: مختصر التحفة الإثني عشرية ص ٢٥٠.
(٣) المفهم ٤/ ٥٦٠.
(٤) أخرجه مسلم من حديث أنس (كتاب التوبة، باب الحض على التوبة) ٤/ ٢١٠٤، ح ٢٧٤٧.

<<  <   >  >>