للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس ليالي ابن الأشعث، فجاء أنس بن مالك فقال الحجاج: هي ياخبيث جوال في الفتن مرة عليّ، ومرة مع ابن الزبير، ومرة مع

ابن الأشعث، أما والذي نفس الحجاج بيده لأستأصلنك كما تستأصل الصمغة، ولأجردنك كما تجرد الضب.

قال يقول أنس: إياي يعني الأمير؟ قال: إياك أعني أصم الله سمعك قال: فاسترجع أنس). (١)

وهذا مما يدل على صبر أنس تحقيقاً لوصية رسول الله وتمسكاً بالعهد الذي عهده إليه وأرضاه، وأما قول أنس (فلم نصبر) فهذا لا يشكل على من عرف سيرة الصحابة رضوان الله عليهم وما كانوا عليه من مقتهم لأنفسهم واستعظامهم ذنوبهم لشدة خوفهم من الله تعالى، وتعظيمهم له، ولذا ثبت في صحيح البخاري عن أنس أنه قال: (إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد

النبي من الموبقات). (٢)

ولعل أنس أراد بقوله: (لم نصبر) ما قام به من شكوى الحجاج على الخليفة لما اشتد أذاه له على ما روى ابن كثير عن أبي بكر بن عياش أن أنساً بعث إلى عبد الملك يشكو إليه الحجاج ويقول: (والله لو أن اليهود والنصارى رأوا من خدم نبيهم لأكرموه وأنا خدمت رسول الله عشر سنين). (٣)

وقد تقدم نقلاً عن ابن حجر أن أنساً قدم دمشق شاكياً الحجاج على الخليفة، وهو إذ ذاك الوليد بن عبد الملك. (٤)


(١) البداية والنهاية لابن كثير ٩/ ٩٦.
(٢) رواه البخاري في: (كتاب الرقاق، باب مايتقى من محقرات الذنوب) فتح الباري ١١/ ٣٢٩، ح ٦٤٩٢.
(٣) البداية والنهاية ٩/ ٩٦.
(٤) انظر: ص ٣٧٩ من هذا الكتاب.

<<  <   >  >>