لا شك أن الذي تسعفه الحافظة، الحفظ لا بد منه، والذي لا يحفظ قد لا يستذكر العلم في وقته، لا سيما النصوص، والحفظ يقرب لك العلم متى شئت، بخلاف الاعتماد على الفهم فقط، فقد تحاول جاهداً تستذكر الفائدة فلا تسعفك، أو لا يسعفك فهمك، الفهم نعم إذا كان الكتاب بين يديك استطعت أن تفهم ما يقال، لكن إذا كان الكتاب غائب عنك فإنك تفهم ماذا وأنت لم تحفظ؟
ويمثلون للحفظ بمن زاده التمر -مسافر زاده التمر-، هذا يتناول منه ما شاء متى شاء، يمد يده إلى الإناء ويأخذ ليأكل، ولا يكلفه التمر أكثر من ذلك، لكن الذي علمه مبني على فهم -فهم ما في الكتب لا فهم ما في حفظه- هذا يقولون: زاده مثل البر، يحتاج إلى زرع، يحتاج إلى حصاد، يحتاج إلى تنقية، يحتاج إلى طحن، يحتاج إلى عجن، يحتاج إلى نار تنضجه، يحتاج إلى أمور كثيرة، مثل هذا الذي زاده في الكتب يدخل المكتبة ويبحث عن المسألة، ثم بعد ذلك يفهم هذه المسألة ثم يقول رأيه فيها، ففرق بين من علمه في صدره، وبين من علمه في كتابه.
العلم ما حواه الصدر ... وليس العلم ما حواه القمطر
على ما قالوا.
نعم الفهم مهم، وركن ركين من وسائل التحصيل، لكنه دون حفظ لا يساوي شيئاً، اللهم إلا إذا كان الإنسان معوله على كتابه، لا يسير إلا بيده كتاب، إذا أراد شيئاً نظر في هذا الكتاب، هناك من العلوم التي يصعب فهمها، بالنسبة لضعيف الحافظة هذه العلوم التي يصعب فهمها، أو هذه الكتب التي يعسر فهمها إذا عاناها طالب العلم، وحاول جاهداً أن يفهمها لا شك أنه مع هذه المعاناة تستقر في ذهنه، تستقر في ذهنه، فمثل هذا إذا عانى هذه الكتب، ولذلك ضعيف الحفظ لا يوجه إلى الكتب السهلة التي تفهم بسرعة؛ لأنه لم يتعب نفسه في فهمها، والحافظة لا تسعفه في استذكارها، لكن إذا كانت صعبة معقدة فإنه يحاول أن يفهم فيستقر المفهوم في ذهنه.
وقد ألفت كتب وفي أساليبها وعورة وصعوبة والهدف من ذلك تربية طالب العلم على فهم هذه الكتب الدقيقة؛ ليكون لما عداها أفهم وأيسر له.