الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
ففي الدرس الماضي في حديث السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وبحث الصحابة -رضوان الله عليهم- في المراد بهم؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال الخبر ولم يذكر الأوصاف التي يستوجبون بها هذا، فبحثوا عن هذه الأوصاف؛ علَّهم أن تكون هذه الأوصاف مما يشملهم.
"فخرج عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام- فأخبروه فقال:((هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون)) ": في بعض الروايات: ((ولا يرقون)).
يقول ابن حجر:"وقع في رواية سعيد بن منصور عند مسلم: ((ولا يرقون)) بدل: ((ولا يكتوون))، وقد أنكر الشيخ تقي الدين ابن تيمية هذه الرواية، وزعم أنها غلط من راويها؛ واعتل بأن الراقي يحسن إلى الذي يرقيه، فكيف يكون ذلك مطلوب الترك؟ واعتل بأن الراقي يحسن إلى الذي يرقيه، فكيف يكون ذلك مطلوب الترك؟ وأيضاً فقد رقى جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- ورقى النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، وأذن لهم في الرقى، وقال:((من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل)) والنفع مطلوب، قال: وأما المسترقي فإنه يسأل غيره ويرجو نفعه، وتمام التوكل ينافي ذلك، قال: وإنما المراد وصف السبعين بتمام التوكل فلا يسألون غيرهم أن يرقيهم، ولا يكويهم ولا يتطيرون من شيء": هذه خلاصة كلام الشيخ -رحمه الله- في تعليل رواية:((ولا يرقون)) وهي عند مسلم.
قال ابن حجر:"وأجاب غيره بأن الزيادة من الثقة مقبولة، وسعيد بن منصور حافظ وقد اعتمده البخاري ومسلم، واعتمد مسلم على روايته هذه –الزيادة من الثقة مقبولة- وبأن تغليط الراوي مع إمكان تصحيح الزيادة لا يصار إليه، والمعنى الذي حمله على التغليط موجود في المسترقي؛ لأنه اعتل بأن الذي لا يطلب من غيره أن يرقيه تام التوكل فكذلك يقال له، والذي يفعل غيره ذلك به ينبغي أن لا يمكنه منه لأجل تمام التوكل".