"كانوا يكرهون التمائم كلها، من القرآن وغير القرآن": وقدوتهم في هذا شيخهم ابن مسعود، وقد تقدم كلامه في الرقى عموماً من القرآن وغيره، وأنه يمنع من ذلك كله.
يقول الإمام رحمة الله عليه:
"فيه مسائل: الأولى: تفسير الرقي والتمائم": وقد تقدم أن الرقى جمع رقية، وهي القراءة على المريض مع النفث أو النفخ.
والتمائم: جمع تميمة وهي ما يعلق على الدواب، أو يعلق على الأطفال خشية العين، أو لرفع المرض.
"الثانية: تفسير التولة": وهي شيء يصنعونه -كما تقدم في كلام الإمام رحمة الله عليه- يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها، والزوج إلى امرأته.
"الثالثة: أن هذه الثلاث": الرقى والتمائم والتولة هذه الثلاث.
"كلها من الشرك من غير استثناء": كلها من الشرك من غير استثناء؟ طيب الرقية الشرعية ما تستثنى؟ تستثنى، التميمة إذا كانت من القرآن عند من يقول بجوازها تستثنى، والإمام -رحمة الله عليه- يقول: إن هذه الثلاث كلها من الشرك من غير استثناء. فهل رأيه منع الرقية مطلقاً، ومنع التمائم مطلقاً؟ ولا يشك في أن رأيه منع التولة بدون استثناء، ولذا يقول: إن هذه الثلاث كلها من الشرك من غير استثناء.
يعني لو اقتصرنا على هذه الجملة على هذه المسألة قلنا: إن الشيخ لا يجيز الرقية؛ لأنها من الشرك، من غير استثناء، ولا يجيز التمائم مطلقاً ولو كانت من القرآن؛ لأنه يقول: من غير استثناء، لكن لا يظن به أنه يمنع الرقية، وقد ثبتت عنه -عليه الصلاة والسلام-، وأنه رقى ورقي، والنصوص فيها لا تخفى عليه -رحمه الله- لكن اهتمامه بشأن التوحيد، وحماية جانبه، وسد الذرائع الموصلة إلى الشرك -رحمة الله عليه- جزم بهذا، وإلا فلا يظن به أنه يمنع من الرقية التي ليس فيها شرك.
"الرابعة: أن الرقية بالكلام الحق من العين والحمة ليس من ذلك": هو استثنى من الرقية العين والحمة فقط، استدلالاً بحديث:((لا رقية إلا من عين أو حمة))، ومفهوم التخصيص بالعين والحمة أنه يمنع ما عدا العين والحمة، وأنه لا يرقى المريض إذا كان مرضه بسبب غير العين والحمة، لكن المرجح أن الرقية نافعة إذا لم تكن شركاً من الأمراض كلها.