نعم فيه رواية:"التغرب" وهذه رواية أبي ذر، وفيه أيضاً:"التعزب" وهو البعد، عزب عن بالي، يعني بعد عن بالي، والتغرب من الغربة والاغتراب، والبعد عن مواطن المدن، فالمعاني متقاربة.
التعرب الإقامة في البادية مع الأعراب هذا ظاهر، وهذا أكثر الرواية عليه، التغرب والاغتراب، التغرب رواية أبي ذر، الغربة والاغتراب عن الوطن المأهول إلى مكانٍ خالٍ، وهذا في وقت الفتن، وأما التعزب فهو من البعد أيضاً مأخوذ، من عزب عن باله كذا، يعني بعد عن ذهنه، وما زالت هذه الكلمة مستعملة في سكنى البراري في أوقات الربيع، في أوقات العشب والكلى يقال: فلان عزب، أو آل فلان عزبوا، عازبين، فهي مستعملة، على كل حال أكثر الرواة على التعرب.
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثنا قتيبة بن سعيد –البلخي- قال: حدثنا حاتم -بن إسماعيل- عن يزيد بن أبي عبيد -مولى سلمة بن الأكوع- عن سلمة بن الأكوع" هذا الحديث رباعي، الواسطة بين البخاري وبين يزيد بن أبي عبيد اثنان، وهو يروي عن يزيد بن أبي عبيد بواسطة واحد، المكي بن إبراهيم، وغالب ثلاثيات البخاري بهذا الإسناد، المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع، "أنه دخل على الحجاج" المقصود به ابن يوسف الثقفي لما ولي إمرة الحجاز بعد قتل ابن الزبير، سنة أربع وسبعين، "فقال -له-: يا ابن الأكوع ارتددت على عقبك" ارتددت على عقبيك: أي سكنت البادية تعربت؟ سكنت البادية بعد أن هاجرت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مخلصاً لوجهه تعالى، ولا شك أن التعرب بعد الهجرة مذموم، بل لا يجوز، من هاجر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وترك وطنه أن يرجع إليه، ولذا لا يجوز الإقامة للمهاجرين بمكة بعد أن يؤدوا منسكهم أكثر من ثلاث، الحجاج يقول:"ارتددت على عقبيك تعربت؟ قال سلمة: لا، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أذن لي في البدو"، يعني في الإقامة معهم، أذن لي في الإقامة مع البادية، ولا شك أن هذا من جفاء الحجاج، من جفاء الحجاج يخاطب صحابي جليل بهذا الأسلوب، ارتددت يا ابن الأكوع "ارتددت على عقبيك تعربت؟ " سلمة بن الأكوع أذن له النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مخصوص من النصوص.