ثم بعد هذا يقول:"حدثنا عبد الله بن يوسف" هنا التعرب مذموم في الأصل للمهاجرين، سلمة بن الأكوع أذن له، في الفتنة يأتي حديثها، هنا يقول:"حدثنا عبد الله بن يوسف -التنيسي- قال: أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أبيه" عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة "عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يوشك -بكسر الشين وفتحها لغةٌ رديئة أي يقرب- أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال -رؤوس الجبال- ومواقع -نزول- القطر -الذي هو المطر- يفر بدينه -يفر بسبب دينه- من الفتن)) هذا خير ما يقتنيه المسلم: غنم؛ لحاجته الضرورية إليها، لدرها ونسلها، هذا خير مال المسلم، خير ما يقتنيه المسلم في أيام الفتن، يخرج بها إلى الصحاري إلى القفار يتبع بها شعف رؤوس الجبال، يتتبع مواقع القطر، والسبب في ذلك يترك حياة الترف والدعة والإخلاد إلى الراحة إلى العراء، إلى حر الشمس، وشدة البرد، كل ذلك في سبيل حفاظه على دينه، فاراً بدينه خاشياً من الفتن، يخشى الفتنة على دينه، فدينك دينك، لحمك ودمك، هو رأس مالك، فإذا سلم الدين فالباقي مكسب، فإذا خشي الإنسان على دينه من أن يتعرض لنقصٍ أو ذهاب فالدين الدين، وما عدا ذلك من أمور الدنيا غير مأسوف عليه؛ لأن الدنيا كلها لا تزن عند الله جناح بعوضة، هذه الدنيا بما فيها وما عليها من حطام فاني، ولو رآه الناس شيئاً عظيماً، وتفاخر الناس به، وتقاتلوا من أجله فإنه لا يزن عند الله جناح بعوضة، من يدرك حقيقة هذا الأمر؟ سعيد بن المسيب لما خطبت ابنته للوليد بن عبد الملك ابن الخليفة الواسطة السفير الخطّيب يقول له: جاءتك الدنيا بحذافيرها، يقول سعيد: إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة فماذا ترى يقص لي من هذا الجناح؟! ويش بيقص لسعيد بن المسيب من هذا الجناح؟ جاءتك الدنيا بحذافيرها، الدنيا كلها بحذافيرها لا تساوي جناح بعوضة، ويزوج هذه البنت التي طلبت لابن الخليفة يزوجها أحد طلابه فقير لا يجد شيئاً، والله المستعان، نعم.