على كل حال العبادة مندوبٌ إليها في كل وقت وفي كل حين، وجاء قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) وجاء الحث على العبادات الخاصة والعامة في كل وقت وفي كل حين، وفي كل زمان، لكن العبادات في مثل هذه الظروف التي يغفل بها الإنسان، يعني مع كونها جالبة للحسنات هي تكفه في مثل هذه الظروف عن كثيرٍ من المشاكل والسيئات، فالإنسان إذا كان في وقت الرخاء مأمور بالعبادة فكيف بالعبادة إذا كانت عبادة من جهة، وصارف وواقي ومانع من الوقوع في المحرمات؟ لا شك أن مثل هذا يتضاعف، وأيضاً في مثل هذه الظروف القلوب تنشغل،. . . . . . . . . الناس، وينشغلون بالقيل والقال، ويستطلعون الأخبار، لكن ماذا عن شخصٍ لم يلقِ لهذه الأمور بالاً؟ لأنه لا حول له ولا قوة، لا يستطيع أن يقدم ولا يؤخر، فمثل هذا إذا التجأ إلى ربه، لجأ إلى الله بصدق، وعبده حق عبادته، مثل هذا لا شك أنه من أفضل الناس في هذه الظروف، اللهم إلا من يستطيع أن يؤثر على غيره وينفع، ويساهم بما يكشف هذه الفتن هذا أعظم من العبادات الخاصة.
قد يقول قائل: كثيرٌ من الناس لا يستطيع أن يؤثر في مثل هذه الظروف فهل العزلة مطلوبة؟ جاءت أحاديث تحث على العزلة:((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، يفرُّ بدينه من الفتن)) يوشك: يقرب، يفر بدينه من الفتن هذا الكلام يتجه إلى شخص يخشى عليه من التأثر، ولا يرجى منه التأثير، بينما لو كان الأمر بالعكس شخص مؤثر، ويستطيع أن يقدم ما ينفع في كشف هذه الفتن، مثل هذا يتعين عليه الاختلاط، ولا تجوز له العزلة بحال، ثم يبقى بين هذين القسمين والنوعين سائر الناس ممن يستطيع أن يؤثر ويتأثر، ومن يتأثر كثيراً ويؤثر قليلاً، ومن قرب من هذا رجح فيه حكم هذا، ومن قرب من هذا ترجح فيه حكم هذا، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
شرح: باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)):