ثم بعد هذا يقول الإمام -رحمة الله عليه-: "حدثنا محمد بن عرعرة -القرشي- قال: حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك عن أسيد بن حضير -الأنصاري- أن رجلاً -هو أسيد نفسه- أن رجلاً أتى النبي -عليه الصلاة والسلام-" جرد أسيد من نفسه رجلاً تحدث عنه، هذا يسمونه أسلوب التجريد، "أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: استعملت فلاناً -عمرو بن العاص- ولم تستعملني؟ " يعني وليته على أمر من أمور المسلمين ولم تولني، استعملت: يعني وليت، والوالي في عرف المتقدمين عامل، عامل استعمل فهو عامل، وكان عاملاً لعمر وكان عاملاً لفلان، عامل، لما كانت الولايات ينظر فيها نفع المسلمين، والقيام بخدمتهم، والسهر على مصالحهم يسمى عامل، "استعملتَ فلاناً ولم تستعملني، قال:((إنكم سترون بعدي أثرة)) " يعني أعظم من ذلك؛ لأن ما فعلته إنما نظرت فيه للمصلحة العامة، وعمرو بن العاص ممن يصلح لهذه الولايات، ليس معنى هذا أن الشخص الذي يولى ينظر فيه مصلحة خاصة، والذي لا يولى ينظر فيه إلى أنه قريبٌ أو بعيد لا، إنما النظر فيمن يحقق المصلحة، ولو كان غيره أفضل منه في ذاته، وكل عملٍ ينتقى له من يناسبه، كل عمل يختار له من يناسبه، كل عمل يختار له من يناسبه ممن يقوم به على أحسن وجه، والخلل بهذا من علامات الساعة، ((إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)) قد لا يكون الشخص أفضل الناس، بل ولا من أفضل الناس بل هو رجلٌ تقوم به الحاجة، ويسد هذا المكان أفضل من غيره، والقوة مع الأمانة مطلبٌ في مثل هذه الولايات، فإذا كان قويٌ في نفسه أمينٌ في تصرفاته فإنه يستحق حينئذٍ أن يولى على مثل هذه الأمور العامة، وعمرو بن العاص بهذه الصفة.