كتاب جامع خطب عرفة لعبد العزيز آل الشيخ

خطبة عام ١٤١٠ الهجري - ص: 199

“ مشروعية الدعاء والإلحاح في يوم عرفة “

أيها المسلمون، وهذا اليوم العظيم كان نبيكم -صلى الله عليه وسلم- مشغولا فيه بدعاء الله والتضرع بين يديه، وكان يقول: «خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي يوم عرفة: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير (١) » وأخبرهم أن خير الدعاء دعاء يوم عرفة (٢) فأكثروا فيه من الدعاء، وتضرعوا بين يدي ربكم، وتوبوا إلى الله مما سلف من سيئات أقوالكم وأعمالكم، فإن الله تعالى يقبل التوبة ويعفوا عن السيئات ويغفر لمن استغفره: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (٣) .

وجاء في الحديث يقول الله تعالى: «يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي (٤) » فتضرعوا بين يدي ربكم فهذا يوم عظيم، يوم يعتق الله فيه عبيده من النار، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ (٥) » وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة (٦) » «وأنه ينزل -جل جلاله- إلى سمائه الدنيا عشية عرفة نزولا يليق بجلاله، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء ويقول: " انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا ضاحين يرجون رحمتي ولم يروا عذابي، أشهدكم أني قد غفرت لهم (٧) »

قفوا بهذا الموقف إلى أن تغرب الشمس اقتداء بنبيكم صلى الله عليه وسلم،

---

(١) أخرجه الترمذي في سننه، ومالك في الموطأ، والبيهقي في السنن الكبرى، وسبق تخريجه في خطبة عام (١٤٠٢ هـ) ، الهامش (١٨)
(٢) انظر: التخريج السابق
(٣) سورة الزمر الآية ٥٣
(٤) أخرجه الترمذي في سننه ٥\٥٤٨، كتاب: الدعوات، باب: في فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده، ح (٣٥٤٠) ، وأحمد في مسنده ٥\١٥٤، والدارمي في سننه ٢\٤١٤، كتاب: الرقاق، باب: إذا تقرب العبد إلى الله، ح (٢٧٨٨) ، واللفظ للترمذي
(٥) أخرجه مسلم في صحيحه، وسبق تخريجه في خطبة عام (١٤٠٤ هـ) ، الهامش (١١)
(٦) أخرجه مالك في الموطأ، وعبد الرزاق في مصنفه، وسبق تخريجه في خطبة عام (١٤٠٢ هـ) ، الهامش (١٦)
(٧) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، وابن حبان في صحيحه، وسبق تخريجه في خطبة عام (١٤٠٦ هـ) ، الهامش (١٤)