للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم أن نبيكم -صلى الله عليه وسلم- استمر واقفا يدعو الله ويتضرع بين يديه حتى غربت الشمس واستحكم غروبها، وبعد ذلك انصرف إلى مزدلفة وقال: «هدينا مخالف لهديهم (١) » فلم ينصرف من عرفة إلا بعد غروب الشمس، فالواجب على الحجاج أن يبقوا في عرفة إلى أن يتأكدوا من غروب الشمس، ولا يحل لمسلم أن ينصرف منها قبل غروب الشمس.

ثم إن نبيكم -صلى الله عليه وسلم- انصرف من عرفة إلى مزدلفة وهو يحث الصحابة على السكينة والوقار في مشيهم وفي سيرهم فإن رأى فرجة أسرع، وإن رأى زحاما تلبث قليلا وهكذا السنة للمسلمين: ألا يضايق بعضهم بعضا، ولا يؤذي بعضهم بعضا في السير.

وصل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى مزدلفة، وصلى بها المغرب والعشاء جمعا وقصرا، المغرب ثلاثة، والعشاء ركعتان بآذان وإقامتين، فهذه السنة للحاج أن يصلي المغرب والعشاء جمعا وقصرا متى وصل إلى مزدلفة، وسواء وصل إليها في وقت المغرب أو وقت العشاء جمع تقديم أو جمع تأخير.

بات بها -صلى الله عليه وسلم- ورخص للضعفاء من النساء في الانصراف منها بعد غياب القمر، أما هو -صلى الله عليه وسلم- فبات بها حتى صلى بها الفجر في أول الوقت، وذكر الله عند المشعر الحرام ثم انصرف إلى منى، وهذه هي السنة، والتقط حصى الجمار ما بين طريقه من مزدلفة إلى منى.

وصل -صلى الله عليه وسلم- إلى منى، فابتدأ جمرة العقبة، فرماها بسبع حصيات، ثم نحر هديه، ثم حلق رأسه، ثم طاف طواف الإفاضة بالبيت.


(١) يعني: أهل الشرك والأوثان، والحديث أخرجه الشافعي في مسنده والبيهقي في السنن الكبرى، وقد سبق تخريجه في خطبة عام (١٤٠٥ هـ) الهامش (١٦)

<<  <   >  >>