سعود صاحيا فقد احتفظ على الأقل بمظهر كرامته، إذ أدرك هذا البدوي العبقري منذ اللحظة الأولى أن اللعبة قد لعبت، ولم يبق غير توقيعه من بين الدول العربية على اتفاقية الهدنة.
على كل حال، فالأمر الذي ينبغي تسجيله للتاريخ، في تلك الأسابيع المشؤومة، أن القيادة العربية، لم تتخذ إجراء يعطل الإطراد السياسي العسكري الذي نتج عن انسحاب الجيش البريطاني.
ينبغي أن نلاحظ بأن تقدير الموقف العسكري قد فاتهم مند اللحظة الأولى، حتى من جانب الكم، أعني التقدير البسيط لعدد طلقات الرصاص والبنادق وأزرار الأحذية، بينما كان ذلك يدلهم على خطورة الموقف حتى لو عدوا على الأصابع.
لقد كانوا مقتنعين بتفوقهم العددي، مثلا، بينما لو عدوا فقط أصابعهم لأدركوا أن هذا التفوق كان- وهميا في الحقيقة: فعدد من كانوا تحت لواء منظمة (الشتيرن والهاجانا) فقط قد فاق عددهم، هذا إذا لم نقدر كفاءة قيادتهم وتفوق تسليحهم ومستواهم المعنوي، المستوى الذي بدونه لا يستطيع الجندي شيئا ببندقيته، وإذا لم نتحدث من ناحية أخرى، عن العلاقات الخاصة لـ (وايزمن) في العالم المتواطئ، سواء بموسكو أو باريس أو واشنطن.
فمن الناحية العسكرية كان الموقف ملغوما قطعا منذ اللحظة الأولى، ولم يكن للعرب من دفع لهذا الموقف إلا بفتح الأبواب لمتطوعين، الذين كانوا يأتون فعلا من أعماق مراكش والجزائر، ليصبوا في المعركة لهيب إيمانهم، وليستشهدوا من أجل تلك البقاع التي جعلها التاريخ من البقاع المقدسة للمسلمين كافة.