الإحتمالات بوسائله الخاصة، ومشكلته ليست سهلة الحل، لأنها لا تتسم بالطابع الإقتصادي البسيط كما يعني إختصاصي الإقتصاد بهذه الكلمة.
فحين نقول إن العالم الثالث ملزم بمواجهة الوضع الإقتصادي بوسائله الخاصة وبإمكانياته التي بين يديه، فإننا لا نقول إلى أي حد يستطيع استخدام هذه الوسائل وتلك الإمكانيات.
إنني أعلم أن أهل (ميلة) يتذوقون النكتة، فليسمحوا لي بنكتة قسنطينية قديمة تنير هذا الجانب من القضية.
ففي قسنطينة كانت ألسنة حداد تصف صدق أهالي (ميلة) وأمانتهم بصورة كريكاتورية، فتذكر عنهم قصة خاتمتها هذه الكلمة:((يا أهل ميلة! يا رؤوس بقر، إنكم تضعون أقدامكم على الفضة وتحسبونها قطعة من الصخر)).
قطعا ليست هذه سوى نكتة بالنسبة لأهل ميلة، لكنها تدخلنا بصورة رمزية في صلب الموضوع. أعني في الأوضاع النفسية الراهنة في العالم الثالث، هذا العالم الذي يضع أقدامه فعلا على خيرات لا يتصورها العقل، وهو لا يستفيد منها شيئا في خطة تنمية.
هذا الجانب هو جوهر مشكلته الإقتصادية، وهو الذي لفت، منذ نحو عشرين سنة، نظر (تيبورماند) الذي يلاحظ بحق، في أحد كتبه، هذه الملاحظة الكاشفة عندما يقول:
إن القضية تتطلب (عالم الحياة في الإجتماع) أكثر من (مهندس اجتماع).
إن الحياة الإقتصادية لا ترتبط فقط بأجهزة ذات طابع فني ومالى وتنظيمي، بل هي قبل ذلك مرتبطة بأجهزة نفسية موجودة في المعادلة الشخصية لدى الفرد الذي يفكر في الخطط والذي ينفذها.