ذهل الرفاق إعجابا بجحا وإكبارا له، بل خجلوا أمام محاولة ضخمة كهذه، خجلوا إذ لم يأت كل واحد منهم إلا بحزمة، ثم تضرعوا إلى جحا كي يترك محاولته هذه إلى يوم آخر، لأن لديهم ما يكفيهم ذلك اليوم بما احتطبوا هم.
هكذا تفضل عليهم جحا بتلبية رغبتهم فرجع معهم، شامخ الأنف يتدفأ على نارهم دون أن يأتي بعود واحد.
إلى هنا تنتهي القصة تترك لمستمعها استنتاج العبرة.
لكن جدتي قصت علي قصة أخرى، لا تقل عبرة:
فقد كانت عشيرة من العشائر على أهبة الرحيل، تطوي البيوت وتضع المتاع على جمالها، وأناخ جمل من الجمال فأثقلوه بمتاعهم حتى لم يستطع الحراك.
ثم انتبه القوم إلى دفتي رحا مما هو موجود في أريافنا حتى اليوم، فقام رجل منهم يضع الرحا على ظهر الجمل والتفتت عجوز من العشيرة فقالت عطفا على الجمل:
- لا تضعوا الرحا عليه بل ضعوها على ظهر جمل غيره.
لكن الجمل التفت إليها وقال:
- بل ضعوها على ظهري، لا ضرر في ذلك إنني لن أستطيع القيام على كل حال.
واليوم وبعد أكثر من نصف قرن حين تعود إلى ذاكرتي هاتان القصتان مع ذكريات عذبة أو مثيرة، أو حين أسمعها في سمر الأطفال، أجد أن جحا والجمل يعبران عن حكمة واحدة لكنهما من حيث التعبير عنها يختلفان: حيث حسن النبية في الجمل وسوء النبية في جحا.
إن رمز القصتين واحد، إنهما تدلان على العمل المستحيل.