للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الحذف جائز لا واجب. ولذلك جاء الوجهان في كتاب الله نحو {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} i {وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً} ii. ولو ولي الكاف ساكن عادت النون نحو {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} iii ولوجوب عود النون قبل الساكن لم يجئ الفعلان في الحديث المذكوِر بالحذف، بل حذفت نون الأول لعدم ساكن بعده، وثبتت نون الثاني لإيلائه ساكنا. ولا يستصحب الحذف قبل ساكن إلا في ضرورة، كقول الشاعر:

فَإنْ لَمْ تَكُ المِرْآةُ أبْدَتْ وَسامَةً

فَقدْ أَبْدتِ المِرْآةُ جَبْهَةَ ضَيْغَم iv

و"ترى" من قول أم حارثة "وإن تكن الأخرى ترى ما أَصنع" مضارع راء بمعنى رأى، والكلام عليه كالكلام على قول أبي جهل "متى يراك الناس"v. وكما جُوّز رفع "يراك" لإهمال "متى" وتشبيهها بـ "إذا"، كذلك يجوز رفع "يرى" لأنه جواب، والجواب قد يرفع، وإن كان الشرط مجزوم اللفظ، كقراءة طلحة بن سليمان vi {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ} vii وكقول الراجز:

إنّك إنْ يُصْرَعْ أخوُكَ تصْرَعُ"viii ix. انتهى.

وقوله: "أصابهُ سَهْم غَرْب"x.


i سورة النحل: آية ١٢٠.
ii سورة مريم: آية ١٤.
iii سورة النساء: آية ١٣٧.
iv قائله الخنجر بن صخر الأسدي، فكأنه نظر وجهه في المرآة فلم يره حسناً فتسلى بأنه يشبه الأسد في شجاعته.
انظر: الأشموني ١/ ٢٤٥. خزانة الأدب ٩/ ٣٠٤. همع الهوامع ١/١٠٨.
شفاء العليل في إيضاح التسهيل ١/٣٢٦. شواهد التوضيح ١٧٦.
v البخاري: كتاب المغازي ٧/ ٢٨٢ وانظر شواهد التوضيح ص ١٧.
vi طلحة بن سليمان السمان، مقرئ مصدّر، له شواذ تروى عنه. انظر: غاية النهاية في طبقات القراء١/ ٣٤١.
vii سورة النساء: آية ٧٨. وقراءة طلحة بن سليمان شاذة. انظر: البحر المحيط ٣/ ٢٩٩. القرطبي ٥/ ٢٨٢. الدرّ المصون ٤٣/٤. التبيان للعكبري ١/٣٧٤.
viii رجز من شواهد سيبويه ٣/٦٧ ونسبه إلى جرير بن عبد الله البجلي، ومطلعه: يا أقرَعُ بن حابسٍ يا أقرعُ
وقيل قائله عمرو بن خثارم البجلي يخاطب الأقرع بن حابس في منافرة بين بجيلة وكلب.
انظر: شرح أبيات سيبويه للسيرافي ٢/١٢٢، خزانة الأدب للبغدادي ٨/ ٢٠ شرح الأشموني ٤/١٨، شرح أبيات مغني اللبيب للبغدادي ٧/ ١٨٠.
ix شواهد التوضيح ١٧٤.
x سهم غَرب أي لا يعرف راميه. يقال سَهْم غَرْب بفتح الراء وسكونها وبالإضافة وغير الإضافة. وقيل هو بالسكون إذا أتاه من حيث لا يدري، وبالفتح إذا رماه فأصاب غيره.
انظر: النهاية لابن الأثير ٣/ ٣٥٠. غريب الحديث للخطابي ١/ ٢٢١.