للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم يتعلق بهذه الأوجه مسألة في الإبدال والتبديل بالنظر إلى افتراقهما أو اتفاقهما في المعنى. وقد فرّق ثعلب بينهما فقال: الإبدال: تنحية جوهرة واستئناف أخرى. وأنشد لأبي النجم i:

عَزْلَ الأَمير لِلأْمير المُبْدَلَ ii

قال: ألا تراه نحّى جسماً وجعل مكانه آخر. والتبديل: تغيير الصورة إلى غيرها والجوهرة بعينها iii وهو نحو قول الفرّاء، قال في التفسير iv بدّلت معناه غيّرت، وكل ما غيّر عن حاله فهو مبدَّل، بالتشديد، وقد يجوز بالتخفيف، وليس بالوجه. وإذا جعلت الشيء مكان الشيء قلت أبدلته، كقولك: أبدل هذا الدرهم، أي أعطني مكانه، وبدّلْ جائز فهما متقاربان.

قال الفارسي: "بدّل وأبدل متقارِبان كنزّل وأنزل. وقال في تفرقة من فرَّق ليست بشيء. قال تعالى: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} فالخوف ليس بقائم في حال الأمان، يريد على قراءة التثقيل. وقد تأوّلها الفراء على معنى: يجعل سبيل الخوف أمنا.

وقال الزمخشري في قوله تعالى: {بدَّلوا نِعْمةَ اللهِ كُفْراً} أي شُكْر نعمة الله لما وضعوا الكفر مكان الشكر الذي وجب عليهم، فكأنهم غيّروا الشكر إلى الكفر وبدّلوه تبديلا v. يعني إنّ ما يقوم مقام الشيء بأن يجعل محله كأنه هو بضرب من التغيير.

وذكر المطرّز vi عن ثعلب عن سلمة بن عاصم النحوي عن الفراء: أبدلت الخاتم


i أبو النجم العجلي هو الفضل بن قدامة، كان ينزل بسواد الكوفة أيام هشام بن عبد الملك، وهو من الرجّاز الفحول، وكانت وفاته آخر دولة بني أمية.
ii ديوان أبي النجم العجلي- ص ٣٠٤، صنعه علاء الدين آغا، منشورات الناجي الأدبي بالرياض.
iii في النسخ المخطوطة "بغيرها" والصواب ما أثبته لأن المصنف سيذكره بعد قليل، وانظر: كلام ثعلب أيضاً في تاج العروس للزبيدي (مادة بدل) .
iv قال الفراء في قوله تعالى: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} : قرأها عاصم بن أبي النجود والأعمش "ولِيُبدَلنَهم" بالتشديد، وقرأ الناس "وليُبْدِلنهَّم" خفيفة، وهما متقاربان. وإذا قلت للرجل قد بُدّلت فمعناه غُيّرت وغُيرّت حالك ولم يأت مكانك آخر، فكل ما غير عن حاله فهو مبدّل بالتشديد. وقد يجوز مُبْدَل بالتخفيف، وليس بالوجه، وإذا جعلت الشيء مكان الشيء قلت:
قد أبدلته، كقولك: أَبْدلْ لي هذا الدرهم، أي أعطني مكانه، وبدِّل جائزة. فمن قال {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} فكأنه جعل سبيل الخوف أمنا، ومن قال "وليُبْدلنهّم " بالتخفيف قال: الأمن خلاف الخوف، فكأنه جعل مكان الخوف أمنا، أي ذهب بالخوف وجاء بالأمن. وهذا من سعة العربية. وقال أبو النجم: عزل الأمير للأمير المبدلِ. انظر: معاني القرآن للفراء٢/٢٥٨-٢٥٩.
v تفسير الكشاف ٢/ ٣٧٧.
vi محمد بن عبد الواحد أبو عمر الزاهد غلام ثعلب، من مصنفاته: اليواقيت، شرح الفصيح، غريب مسند أحمد ... مات ببغداد سنة ٣٤٥ هـ. انظر بغية الوعاة ١/١٦٤.