للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليس هذا الاستثناء على ظاهره، لأن علم الله لا يدخله النقص، فقيل "نقص" بمعنى أخذ، وهو توجيه حسن، فيكون من باب التضمين١، ويكون التشبيه واقعاً على الآخذ لا على المأخوذ منه. وقيل المراد بالعلم المعلوم بدليل دخول حرف التبعيض، لأن العلم القائم بذات الله تعالى صفة قديمه لا تتبعض، والمعلوم هو الذي يتبعض. وقيل هو من باب قول الشاعر:

ولا عَيْبَ فيهم غيرَ أنّ سيوفهُم

بهنّ فُلولٌ مِنْ قِراع الكتائب ٢

لأن نقر العصفور لا يُنقص البحر. وقيل "إلا" بمعنى "ولا"، أي ولا كنقرة هذا العصفور٣. كما قيل بذلك في قوله تعالى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} ٤، أي ولا الذين ظلموا. لكن قال أبو حيان في البحر٥: "إن إثبات "إلا" بمعنى "ولا" لا يقوم عليه دليل.

وقوله: "إني على عِلْم من عِلْم الله". "على" هنا للاستعلاء المجازى.

وقوله: "فبينما هُمْ في ظلِّ صَخْرة في مكانٍ ثَرْيان"٦.

قال ابن مالك في توضيحه٧: " [ثَرْيان] ، هو بلا صرف، وفيه شاهد على أن منع أصرف، فَعْلان ليس مشروطا بأن يكون له مؤنث على فَعْلى، بل شرطه ألا تلحقه تاء التأنيث، ويستوي في ذلك مالا مؤنث له من قبل المعنى "لَحْيان"٨ ومالا مؤنث له من قبل الوضع كـ"ثَرْيان"، وما له مؤنث على فَعْلى في اللغة المشهورةكـ"سَكْران"". انتهى.

وقال الكرمانى٩: "اللام في قوله (لَوَدِدْنا) جواب قسم محذوف. و (لوصَبَر) في تقدير


١ قال أبو هشام. قد يشربون لفظا معنى لفظ يعطونه حكمه، ويسمى ذلك تضميناً. انظر مغنى اللبيب ص ٧٦٢
٢ البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٦٠- بتحقيق د. شكري فيصل. ويستدل به في علم البلاغة على تأكيد المدح بما يشبه الذم- انظر الإيضاح للقزوينى ص ٥٢٤ بتحقيق د. خفاجي. والبيت من شواهد سيبويه ٢/ ٣٢٦ بتحقيق هارون، وهمع الهوامع ٣/ ٢٨١ بتحقيق عبد العال سالم. وخزانة الأدب ٣/٣٢٧ بتحقيق هارون.
٣ الكلام كلّه مأخوذ من ابن حجر في فتح الباري ١/ ٢٢٠ بتصرف يسير، دون إشارة.
٤ سورة البقرة: آية ١٥٠.
٥ البحر المحيط ١/٤٤٢.
٦ ثريان: أي فيه بلل أوندى.
٧ شواهد التوضيح والتصحيح ص ١٥٦.
٨ لحيان: كبير اللحية. قال الأشموني ٣/٢٣٢: وفيه خلاف والصحيح منع صرفه.
٩ صحيح البخاري بشرح الكرماني ٢/١٤٥