للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: وكان - رحمه الله - ذا عبادة وتهجد، وطول صلاة إلى الغاية القصوى، وتألُّهٍ ولهَجٍ بالذكر، وشغف بالمحبة، والإنابة والاستغفار، والافتقار إلى الله، والانكسار له، والاطراح بين يديه على عتبة عبوديته، لم أشاهد مثله في ذلك، ولا رأيتُ أوسع منه علمًا، ولا أعْرَف بمعاني القرآن والسنة وحقائق الإيمان منه، وليس هو بالمعصوم، ولكن لم أر في معناه مثله. وقد امتحن وأوذي مرات، وحُبِس مع الشيخ تقي الدين في المرة الأخيرة بالقلعة، منفردًا عنه، ولم يُفرَج عنه إلا بعد موت الشيخ.

وكان في مدة حبسه مشتغلًا بتلاوة القرآن بالتدبر والتفكر، ففُتِح عليه من ذلك خير كثير، وحصل له جانب عظيم من الأذواق والمواجيد الصحيحة، وتسلط بسبب ذلك على الكلام في علوم أهل المعارف، والدخول في غوامضهم، وتصانيفه ممتلئة بذلك.

وحج مرات كثيرة، وجاور بمكة. وكان أهل مكة يذكرون عنه من شدة العبادة وكثرة الطواف أمرًا يتعجب منه. ولازمتُ مجالسه قبل موته أزيد من سنة، وسمعت عليه: «قصيدته النونية» الطويلة في السنَّة، وأشياء من تصانيفه، وغيرها.

وأخذ عنه العلم خلق كثير من حياة شيخه وإلى أن مات، وانتفعوا به، وكان الفضلاء يعظمونه، ويتتلمذون له، كابن عبد الهادي وغيره.

وقال القاضي برهان الدين الزُّرَعي عنه: ما تحت أديم السماء أوسع علمًا منه.

ودرَّس بالصدرية. وأمَّ بالجوزية مدة طويلة. وكتب بخطه ما لا يوصف

<<  <   >  >>