وكل هذا مرده إلى أن الحمى هل ارتفعت بالكلية، أو أنه بقي فيها ما في غيرها من البلدان، إلا أنه ارتفع الوصف الملازم لها؟ ومع هذا، إذا أقررنا كلام ابن عباس أنه ما زالت الحمى فيها، نعم؛ يقول: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وقد وهنتهم حمى يثرب: ولا شك أن هذا اللفظ مشكل.
قال المشركون:"إنه يقدم عليكم غداً قوم قد وهنتهم الحمى، ولقوا منها شدة"، فجلسوا مما يلي الحجر: المشركون جلسوا مما يلي الحجر؛ بحيث يرون الطائف من الجهات الثلاث، دون ما بين الركنين.
وأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا ما بين الركنين؛ ليرى المشركون جلدهم:
وتجلدي للشامتين أريهم ... أني لريب الدهر لا أتضعضع
من هذا الباب.
ليرى المشركون جلدهم، فقال المشركون:"هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم؟! ": نعم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا": وهكذا ينبغي أن تظهر الأمة أفراد وجماعات في غاية القوة، لا سيما أمام الأعداء، أما من يتفوه بضعف الأمة، ويشهد عليها الأعداء شرقاً وغرباً هذا خلاف ما جاء في هذا الحديث؛ لا بد أن تظهر الأمة بمظهر يليق بها، ولو كان على خلاف حقيقتها، لكن لا يعرف العدو كل شيء، والله المستعان.
هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم؟! هؤلاء أجلد من كذا وكذا: جاء في بعض الروايات أنهم أجلد من الغزلان.
قال ابن عباس: "ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها، إلا الإبقاء عليهم": لأنهم جاءوا من سفر، ولا شك أن الرمل متعب لبعض الناس؛ وهذا من شفقته -عليه الصلاة والسلام-.
قال: وحدثني عمرو الناقد وابن أبي عمر وأحمد بن عبدة جميعاً عن ابن عيينة قال ابن عبدة: لماذا أعاده دون صاحبيه؟
قال: حدثني عمرو الناقد وابن أبي عمر وأحمد بن عبدة جميعاً عن ابن عيينة، قال ابن عبدة: حدثنا سفيان: أهل العلم يقولون: إذا أعاد أحد الرواة -أحد شيوخه- فالذي يغلب على الظن أنه صاحب اللفظ -لفظ الخبر-.
قال ابن عبدة حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس قال: "إنما سعى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورمل بالبيت؛ ليُري المشركين قوته" ..