وشرح البخاري للفيروز أبادي صاحب القاموس أكمل منه عشرين مجلداً كباراً، فجاءت الأرضة من الأول إلى الآخر ما أبقت ولا ورقة، أكلته، والحمد لله على ذلك؛ لأنه حشا هذا الكتاب بأقوال ابن عربي، فأودع فيه الفتوحات والفصوص وجميع ما قاله ابن عربي من إلحاد وحلول واتحاد، فسخر الله –جل وعلا- هذه الأرضة فأكلت الكتاب، وهذا من نعم الله -جل وعلا- على الأمة وعلى المؤلف أيضاً أن ينتهي أثره في وقته؛ لأنه إنما أودع الكتاب هذه المقالة مجاملة، ليروج الكتاب؛ لأنه وجد في عصرٍ شاعت هذه المقالة في بلاد اليمن، مقالة ابن عربي شاعت في بلاد اليمن، فأراد أن يروج الكتاب فدخل هذا الكلام، وهذا ليس بمبرر، فعدم التأليف أولى من التأليف بهذه النية وهذا القصد، نعم، قد يذكر الإنسان أشياء من أجل أن يروج الكتاب يذكر أشياء أو يترك أشياء وقصده حسن، لكنها لا ملاحظة عليها، أو تكون ما يلاحظ عليها أخف بكثير، يعني المفسدة مغمورة، يعني كتب الصنعاني والشوكاني ملئت بأقوال الزيدية؛ من أجل أن تروج كتبهم؛ لأنهم في بلاد غالب سكانها من هؤلاء، الترك مثلاً، تتمنى أن تنقل من كتاب وتنسبه إلى صاحبه وأنت معجب به وفيه فوائد لكن لو ذكرت اسم المؤلف ما قرئ الكتاب، أو نقلت -مثلاً- عنه.
يعني شيخ الإسلام وابن القيم في قرون تحرق كتبهم، فإذا نقل عنهم باسمهم الصريح مات الكتاب، فيقال: قال بعضهم، قال: بعض العلماء، قال ... ، كما فعل صاحب الطحاوية، وغيره موجود بكثرة، فهذا مقصد من مقاصد المؤلفين من أجل رواج الكتب، فقد يترك شيئاً وقد يذكر من أجل أن يروج، لكن يذكر شيئاً محرماً أو يسكت عن واجب من أجل الرواج، هذا لا، لكن السكوت أيسر من ذكر المحرم، السكوت قد يكون فيه مندوحة للخوف على نفسه أو على كتابه أو كذا، لكن الكلام في أن يذكر شيئاً محرماً هذا لا يصوغ بحال، عدم التأليف هو الأصل، لا تؤلف يا أخي إذا كنت ترجو ما عند الله -جل وعلا-.