فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وحدثنا يحيى بن يحيى ومحمد بن رمح قالا: أخبرنا الليث ح وحدثنا قتيبة قال: حدثنا ليث عن ابن شهاب عن عروة ابن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهدي من المدينة" يعني بالإمكان أن يبعث الإنسان هديه إلى البيت وهو مقيمٌ في بلده، ولا يلزم أن يصحبه معه، وإذا بعث به وهو في بلده صار حلالاً، ولا يلزمه شيء ممن يلزم المحرم بمجرد بعث الهدي، فلا يمتنع عما أحل الله له إلا إذا دخل في النسك، نوى الدخول في النسك، والهدي يختلف عن الأضحية، فإذا بعث الهدي لا يمسك عن شيء، بينما إذا أراد أن يضحي فلا يجوز أن يمس من شعره ولا من بشرته شيئاً، فهنا تقول -رضي الله عنها-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهدي من المدينة، فأفتل قلائد هديه" القلائد: ما يقلده الهدي، ويشترك فيه الجميع من الإبل والبقر والغنم، فهي تُقلد نعال مثلاً، وتجلل أيضاً، وأما الإشعار فهو خاصٌ بالإبل والبقر، أما الغنم فإنها لا تشعر، "فأفتل قلائد هديه -عليه الصلاة والسلام-، ثم لا يجتنب شيئاً مما يجتنب المحرم" يبقى حلالاً كما كان، أقول: عائشة -رضي الله عنها- ساقت الخبر لأنه وجد في زمنها من يرى الإمساك ممن بعث الهدي، إذا بعث الهدي لزمه أن يمسك تشبهاً بمن دخل في النسك، أو تشبهاً بمن أراد أن يضحي؛ لكن قولها: "فما حرم عليه شيء كان حلٌ له، ويصنع ما يصنع الرجل مع أهله" كأنها تريد أنه لا يجتنب ما يجتنبه المحرم، وأنه لا يصير محرماً بمجرد ذلك، سيأتي عن ابن عباس أنه كان يرى أن من بعث الهدي يلزمه أن يمسك، وهل يلزمه الإمساك عن كل ما يمسك عنه المحرم، أو هو مشبه بمن أراد التضحية؟ عائشة سيأتي أنه إذا بعث هديه له أن ينام مع أهله، وأن يصنع مع أهله ما كان يصنعه قبل ذلك، فليس بمحرم، وليس بمشبه للمحرم، وابن عباس يرى أنه يمسك، وكذلك ابن عمر، والمعروف عند أهل الرأي؛ لكن جماهير أهل العلم على ما قالت عائشة -رضي الله تعالى عنها-.
يقول: "وحدثنيه حرملة بن يحيى قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب بهذا الإسناد مثله.