قال عبدٌ: أخبرنا محمد بن بكر قال: أخبرنا بن جرير قال: قلت لعطاء: أسمعت ابن عباس يقول: إنما أمرتم بالطواف، ولم تؤمروا بدخوله، ابن عباس يقول: إنما أمرتم بالطواف، وتعظيم البيت إنما يكون بالطواف، ولم تؤمروا بدخوله، كل واحد له منهج، وكلهم على خير -إن شاء الله تعالى-؛ لكن يوجد الراجح والمرجوح، ويوجد الأولى وخلاف الأولى، كلهم أئمة يقتدى بهم، فابن عمر له نَفَس، وله مسلك يهمه، ويهتم به، ويعنى بحفظه، والسؤال عنه، وابن عباس له مسلك آخر، ومر بنا في دورة مضت العام الماضي، أو الذي قبله أن رجلاً جاء يسأل، جاء إلى المدينة يسأل، فلقي ابن عمر فسأله، قال: اذهب إلى ابن عباس، اذهب إلى ابن عباس فاسأله، قال: ذاك رجلٌ مالت به الدنيا، ومال بها، عوامُّ المسلمين يحبون المنصرف إلى دينه وإلا عبادته، ولو كان أقل في العلم، ابن عباس ما أحد يطعن لا في علمه ولا في عمله، حَبر الأمة، وترجمان القرآن؛ لكنه توسع قليلاً في أمور الدنيا في حدود ما أباح الله -جل وعلا-، وابن عمر شدد على نفسه قليلاً، ومنعها من بعض المباحات، فالعوام يثقون بمثل هذا، وما منع ذلك ابن عمر أن يقول، ما منعه أن يقول: اذهب إلى ابن عباس، اعتراف إلى أهل الفضل بفضلهم، ذلك حينما كانت القلوب سليمة، الآن لو جاء واحد يسأل شيخ قال: أريد بيت فلان، قال .. لا أقول: من المشايخ المعروفين أهل العلم والعمل لا، يعني من آحاد المتعلمين، قال: إيش لك؟ وإيش تبيه؟ وقال: أنا باسأله، قال: ذاك اتركه عنك، على منهج بعض طلاب العلم الذين هم أتباع لغيرهم، على منهج الإسقاط يسمونه، ولا يظن الإنسان أنه لا يمكن أن يبرز، ولا يظهر إلا على أكتاف غيره، أبداً، بالعكس، كلما تواضع الإنسان يرتفع، وكل ما عرف قدر نفسه رفعه الله -جل وعلا-، وهذا أمرٌ مجرب، يعني الإنسان يعتريه في بعض الأحيان أنه في موقف من المواقف يحب أن يقدم، ويكون له شيءٌ من هذا، فيبتلى بضد ذلك، هذه أمور مجربة، جربها الناس كلهم، ومع ذلك إذا تواضع رفعه الله -جل وعلا-، يقول الناظم أو الشاعر:
تواضع تكن كالنجم لاح لناظرٍ ... على صفحات الماء وهو رفيعُ
ولا تكُ كالدخان يعلو بنفسه ... على طبقات الجو وهو وضيعُ