حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن سفيان بن أبي زهير قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يفتح الشام)): هذا علم من أعلام نبوته -عليه الصلاة والسلام- وقد وقع الأمر كما أخبر، فُتح الشام، ثم اليمن، ثم العراق على الترتيب الذي ذكره عليه الصلاة والسلام.
((يفتح الشام فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)): الشام لا شك أن جوها وأرضها وطبيعتها مغرية -كما تقدم في الحديث السابق:((هلم إلى الرخاء، هلم إلى الرخاء)) - فتترك المدينة رغبة عنها؛ نظراً للرخاء وطلباً للرخاء.
يقول:((يفتح الشام فيخرج من المدينة قوم بأهليهم)): يعني المسألة مسألة رحيل لا رجعة فيه، ((بأهليهم يبسون)): وفي رواية ضبطت: ((يُبِِسُّون)): من الرباعي بمعنى أنهم يتحملون ويذهبون بأهليهم، وقيل معناه على ما سبق في الحديث السابق:((هلم إلى الرخاء)): يدعون الناس إلى بلاد الخصب.
وفي المفردات للراغب الأصبهاني في قوله تعالى:{وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} [(٥) سورة الواقعة]، قال: بُست: أي فتت، فتت، وهل هذا المعنى يناسب ما عندنا؟ يناسب وإلا ما يناسب؟
لا يناسب.
وقيل معناه: سيقت سوقاً سريعاً، نعم مناسب جداً، أنهم يسوقون دوابهم حثيثاً إلى الوصول إلى أماكن الخصب والرخاء؛ من قوله انبست الحيات: انسابت انسياباً سريعاً، انبست الحيات: انسابت سريعاً، فيكون كقوله -عز وجل-: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} [(٤٧) سورة الكهف]، وكقوله:{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [(٨٨) سورة النمل]، المقصود أنهم يسوقون دوابهم سوقاً سريعاً حثيثاً؛ رغبة في بلاد الرخاء رغبة عن بلاد الخير والفضل مدينة الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
((فيخرج من المدينة أقوام بأهليهم يبسون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)): يعني هو لو فاتهم شيء من الرخاء، ولو فاتهم شيء من الأنس بهذه الدنيا والمتعة فيها، هي متاع زائل، لكن العبرة بالباقي أما الفاني لا نظر له ولا يلتفت إليه طالب الآخرة، وقد يكون على حساب الآخرة.