للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما كان أثناء الطريق،! ضل سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه، فتخلفا في طلبه، وبعد عبد الله بن جحش حتى نزل بنخلة، فمرت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة فيها عمرو بن الحضرمي، وعثمان ونوفل: ابنا عبد الله بن المغيرة، والحاكم بن كيسان مولى بني المغيرة، فتشاور المسلمون وقالوا:

نحن في آخر يوم من رجب الشهر الحرام، فإن قاتلناهم، انتهكنا الشهر الحرام، وإن تركناهم الليلة دخلوا الحرم، ثم أجمعوا على ملاقاتهم، فرمى أحدهم عمرو بن الحضرمي فقتله، وأسروا عثمان والحكم، وأفلت نوفل، ثم قدموا بالعير والأسيرين، وقد عزلوا من ذلك الخمس، وهو أول خمس كان في الإسلام، وأول قتيل في الإسلام، وأول أسيرين في الإسلام.

وأنكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلوا «١» ، واشتد تعنت قريش واستنكارهم لذلك، وزعموا أنهم قد وجدوا مقالا؛ فقالوا: قد أحل محمد الشهر الحرام. واشتد على المسلمين ذلك حتى أنزل الله تعالى: - يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ؟

قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ «٢» .

يقول الحق تبارك وتعالى: هذا الذي أنكرتموه عليهم، وإن كان كبيرا، فما ارتكبتموه أنتم من الكفر بالله، والصد عن سبيله، وعن بيته، وإخراج المسلمين الذين هم أهله منه، والشرك الذي أنتم عليه، والفتنة التي حصلت منكم به أكبر


(١) - قيل: لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قال: ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام، فوقف العير والأسيران ولم يأخذ من ذلك شيئا، وعندئذ سقط في أيدى القوم وظنوا أنهم هلكوا.
(٢) - البقرة (٢/ ٢١٧) أي يسألونك عن القتال في الشهر الحرام: هل يجوز؟ فأبدل قتالا من الشهر الحرام. وقوله تعالى قتال فيه كبير) أي القتال فيه عظيم عند الله. والفتنة في الآية هي الشرك وهذا المعنى ما انتهى إليه وتواطأ عليه أكثر علماء السلف رضي الله عنهم أجمعين.

<<  <   >  >>