للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقصده إياه، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة، مستصرخا قريش بالنفير إلى عيرهم؛ ليمنعوه من محمد وأصحابه، وبلغ الصريخ أهل مكة؛ فنهضوا مسرعين وأوعبوا «١» في الخروج لم يتخلف منهم أحد، انسابوا مهروعين من بطون قريش إلا بني عدي، حيث لم يخرج منهم أحد، وخرجوا من ديارهم كما قال الله تعالى: بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ «٢» وأقبلوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بحدهم وحديدهم، تحادّه وتحاد رسوله» ، ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم انثيال القرشيين عليه قال:

«اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها؛ تجادل وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهم أحنهم الغداة» .

جاؤوا على حرد قادرين، وعلى حمية وغضب وحنق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما يريدون من أخذ غيرهم وقتل من فيها، وقد أصابوا بالأمس عمرو بن الحضرمي، والعير التي كانت معه، فجمعهم الله على غير ميعاد، كما قال الله تعالى: وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ، وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا «٣» .

لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خروج قريش استشار أصحابه فتكلم المهاجرون فأحسنوا، ثم استشارهم ثانيا، فتكلم المهاجرون فأحسنوا، ثم استشارهم ثالثا، ففهمت الأنصار أنه يعنيهم، فبادر سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله! كأنك تعرض بنا؟ وكان إنما يعنيهم؛ لأنهم بايعوه على أن يمنعوه من الأحمر والأسود «٤» في ديارهم، فلما عزم على الخروج استشارهم ليعلم ما عندهم.

فقال سعد بن معاذ: لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقا عليها أن لا


(١) - أوعب القوم: إذ أخرجوا جميعا للغزو.
(٢) - الأنفال (٨/ ٤٧) .
(٣) - الأنفال (٨/ ٤٢) .
(٤) - تأمل قول العرب (الأحمر والأسود) وهذا هو العربي الفصيح من التعبير، ونحن نرى من الأخطاء اللغوية الشائعة من يقول: (الأبيض والأسود) فإن أحدا من فصحاء العرب لم يقل ذلك بحال.

<<  <   >  >>