للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ينصروك إلا في ديارها، وإني أقول عن الأنصار، وأجيب عنهم: فاظعن «١» حيث شئت، وصل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت، وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك، فوالله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان، لنسيرن معك، ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر خضناه معك.

وقال له المقداد: لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: إذهب أنت وربك فقاتلا، إنا هاهنا قاعدون، وكلنا نقاتل عن يمينك، وعن شمالك، ومن بين يديك ومن خلفك، فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسرّ بما سمع من أصحابه، وقال:

«سيروا وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، وإني قد رأيت مصارع القوم» .

فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، وخفض أبو سفيان فلحق بساحل البحر، ولما أنه قد نجا، وأحرز العير كتب إل قريش: أن ارجعوا، فإنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم، فأتاهم الخبر، وهم بالجحفة، فهموا بالرجوع، فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نقدم بدرا، فنقيم بها، ونطعم من حضرنا من العرب، وتخافنا العرب بعد ذلك، فأشار الأخنس بن شريق عليهم بالرجوع، فعصوه، فرجع هو وبنو زهرة، فلم يشهد بدرا زهرى، فاغتبطت بنو زهرة بعد برأي الأخنس، فلم يزل فيهم مطاعا معظما، وأرادت بنو هاشم الرجوع، فاشتد عليهم أبو جهل، وقال: لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع فساروا، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل عشيا أدنى ماء من مياه بدر، فقال: «اشيروا عليّ من المنزل» فقال الحباب بن المنذر: يا رسول الله، أنا عالم بها وبقلبها، إن رأيت أن نسير إلى قلب قد عرفناها، فهي كثيرة الماء، عذبة، فننزل عليها ونسبق القوم إليها، ونغوّر ما سواها من المياه.

وسار المشركون سراعا يريدون المياه، وبعث عليا، وسعدا والزبير إلى بدر يلتمسون الخبر، فقدموا بعبدين لقريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، فسألهما


(١) - الظعن: الإرتحال.

<<  <   >  >>