للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عدو الله جند الله قد نزلت من السماء، فرّ ونكص على عقبيه، فقالوا: إلى أين يا سراقة؟ ألم تكن قلت: إنك جار لنا لا تفارقنا؟، فقال: إني أرى ما لا ترون. إني أخاف الله والله شديد العقاب. وصدق في قوله: «إني أرى ما لا ترون» وكذب في قوله: «إني أخاف الله» وقيل: كان خوفه على نفسه أن يهلك معه، وهذا أظهر.

ولما رأى المنافقون، ومن في قلبه مرض قلة حزب الله، وكثرة أعدائه ظنوا أن الغلبة إنما هي بالكثرة، وقالوا: «غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ» «١» فأخبر سبحانه وتعالى أن النصر بالتوكل عليه، لا بالكثرة ولا بالعدد، والله عزيز لا يغالب، حكيم ينصر من يستحق النصر، وإن كان ضعيفا فعزته وحكمته أوجبت نصر الفئة المتوكلة عليه.

ولما دنا العدو، وتواجه القوم، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فوعظهم، وذكرهم بما لهم في الصبر والثبات من النصر، والظفر العاجل، وثواب الله الآجل وأخبرهم أن الله قد أوجب الجنة لمن استشهد في سبيله فقام عمير بن الحمام فقال: يا رسول الله، جنة عرضها السموات والأرض؟ قال نعم، بخ بخ «٢» ؟ قال: لا، والله يا رسول الله، إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: - «فإنك من أهلها» قال: فأخرج ثمرات «٣» من قرنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن حييت حتى آكل من تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتل حتى قتل، فكان أول قتيل.

وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ملء كفيه من الحصباء فرمى به وجوه العدو «٤» ، فلم تترك


(١) - الأنفال (٨/ ٤٩) .
(٢) - بخ بخ: فيه لغتان:؛ إسكان الخاء، وكسرها منونا، وهي إسم فعل بمعنى أستحسن، وهي تطلق لتعظم الأمر وتخفيفه، ويكون ذلك في الخير.
(٣) - أخرج تمرات من قرنه: أي أخرجها من جعبة النشاب.
(٤) - وقد أخرج الإمام الطبراني بسنده من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: «ناولني كفا من حصى فناوله، فرمى به وجوه القوم، فما بقى أحد من القوم إلا امتلأت عيناه من الحصباء، فنزلت: - «وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى» الأنفال (٨/ ١٧) .

<<  <   >  >>