وليس هناك كالصبر مطية النجاة، مهما طال المدى، وبعدت الشقة فمن كان الصبر مطيته، والجلد حليته، وركب ليل الأهوال حجلا لمراميه، خليق أن ينال بمراده ويهنأ بمقصوده.
إن الدنيا رخيصة هينة عند أرباب البصائر المشحوذة والهمم العالية، فإنهم يدركون حقيقتها المجردة، وهي دار ظعن وارتحال، وتحول ومزايلة، إلى الأبدية الدائمة غير المشكوك فيها.
هذه الدنيا من الدنية، من أضرب عنها وقعد عنها أتته راغمة، ومن أبصر إليها أعمته، ومن بصر بها وتأبى عليها نجا وفاز. ومن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز.
بنصر الله ويقينه وتمام نعمته، وكمال أمره يكون النصر والظهور والفلج والغلبة لأوليائه وأحبابه، والهوان والمذلة والتوهين لأعدائه الموتورين، وقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وقد أصبحوا جزرا لسيوف الحق الأبلج، مسوقين للموقف المحتوم وقد شربوا كئوسا روية وقد عللوا ونهلوا منها خابطين في الفتن الهوج المدمرة التي تأكل اليابس والأخضر.
وبدراسة هذه الغزوات والوقائع والمجالدات الصارمة مع أعداء الإسلام ندرك مدى معاناة الحق والصدق من أهل اللجاجة والباطل، لكن رحمة الله قريب من المحسنين، ولينصرن الله من ينصره، ومن يجمعه الله لا يفرقه إنسان ولا بد أن ينتصر المظلوم وينتصف من الظالم مهما طال المدى، مهما اصفر ورق الأمل، ومهما كان اغورار الماء، أو الإياس من الثمر.
هذا والخير أردت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
السيد الجميلي المعادي- القاهرة- مصر رمضان المعظم ١٤١٤ هـ/ مارس ١٩٩٣ م.