قال محمد هذا قول العظيم الواثق من صدق دعوته، المطمئن إلى بلوغ غايته.
فقال عمه:(اذهب يا ابن أخي، وقل ما شئت، فو الله لا أسلمك لشيء أبدا) .
ثم تجلت في الرسول العربي محمد صلّى الله عليه وسلّم «مواهب الكمال الإنساني فحشد للخصومة قوى النفس وقوى الحس، فجاهد بالصدق، وجالد بالصبر، وجادل بالمنطق، وصاول بالرأي، وأثر باللسان، فكان رسولا في الدين، وعلما في البلاغة، ودستورا في السياسة، وإماما في التشريع، وقائدا في الحرب، زد على ذلك خلقه الحسن كما وصفة ربه «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» .
إذن حامل هذه الرسالة السماوية السمحاء مؤهل لها قادر على تحمل مشاقها من جميع جوانبها المعنوية والجسمية والخلقية فهو المثل الأعلى للإنسان الكامل؛ ولله درّ شاعر الرسول حسان بن ثابت الأنصاري حينما وصف شخصية الرسول العربي محمد صلّى الله عليه وسلّم ببيتين من الشعر يدلان على كمال صاحبها إذ قال مادحا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
وأحسن منك لم تر قط عيني ... وأجمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرّءا من كل عيب ... كأنك قد خلقت كما تشاء
إذن فلا عجب وإذا رأينا صاحب هذه الرسالة يقلب المجتمع الجاهلي رأسا على عقب، ليكون منهم مجتمعا آخر يختلف عن المجتمع الأول الذي يقوم على العصبية، والأثرة والأنانية والثأر، إلى مجتمع جديد بفضل الرسول الكريم، الذي بعث رحمة للعالمين، إذ بعث الحرية من قبرها، وأطلق العقول من أسرها، وجعل التنافس في الخير، والتعاون على البر، والتفاضل بالتقوى، ثم وصل بين القلوب بالمؤاخاة، وعدل بين الحقوق بالمساواة، ثم محا الفروق بين أجناس الإنسان، وأزال الحدود بين مختلف الأوطان،