وهذه القصائد المختارة لعدد من شعراء الأمة العربية على أختلاف مذاهبهم، ومشاربهم هي نبضات قلوب مفعمة بمحبة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، تدلّ على نبل أصحابها وسموهم ورفعتهم ولا عجب في ذلك فالشعراء كانوا وما زالوا سباقين لتقدير واكتشاف العظمة والعظماء، وذلك بفضل ما رزقهم الله تعالى من فيض الشاعرية التي تشع وتنبىء ومن ثم يأتي الإلهام ...
ومن كالنبي محمد صلّى الله عليه وسلّم أجدر بالمدح والثناء واظهار عظمته وعبقريته؟ إنه مصدر ثرّ للإلهام ...
وقد روى عنه محبته للشعر والشعراء، حيث أثر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قوله:
إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرا» كما ذكر الرواة أن الشاعر «النابغة الجعدي» حين وفد على النبي فأنشده قصيدته الرائية وبلغ منها قوله:
ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدّرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
طرب النبي لهذا المعنى الكريم واستحسنه وقال للشاعر:«أحسنت يا أبا ليلى! لا يفضض الله فاك» . كذلك روي أن رسول الله قال:«الشعر كلام من كلام العرب جزل تتكلم به في بواديها، وتسل به الضغائن من بينها»
كذلك كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يعرف قيمة الشعر وخطره وأثره في تأليف القلوب واستلال الأضغان، وإثارة الأشجان، فلقد كان يكثر من استنشاد شعر الخنساء في أخيها صخر، ويستعيدها ويستزيدها ويقول لها:«هيه يا خناس!» وكأنه وجد في صدق العاطفة ومواجد الحزن في شعر الخنساء ما تتمثل فيه مراحم القلوب، ومواجع الأكباد ثم ألم يكن النبي يتأثر لكلمة حق قالها شاعر مخضرم هو «لبيد بن ربيعة العامري، فيقول:
«أصدق كلمة قالها شاعر قول لبيد: «ألا كل شيء ما خلا الله باطل» .