للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البردة]

(شرف الدين محمد البوصيري)

أمن تذكر جيران بذي سلم ... مزجت دمعا جرى من مقلة بدم

أم هبّت الريح من تلقاء كاظمة ... وأومض البرق في الظلماء من إضم

فما لعينيك إن قلت إكففا همتا ... وما لقلبك إن قلت استفق يهم

أيحسب الصّبّ أنّ الحبّ منكتم ... ما بين منسجم منه ومضطرم

لولا الهوى لم ترق دمعا على طلل ... ولا أرقت لذكر البان والعلم

فكيف تنكر حبّا بعد ما شهدت ... به عليك عدول الدّمع والسّقم

وأثبت الوجد خطّى عبرة وضنى ... مثل البهار على خدّيك والعنم

نعم سرى طيف من أهوى فأرقّني ... والحب يعترض اللّذات بالألم

يا لائمي في الهوى العذريّ معذرة ... منّي إليك ولو أنصفت لم تلم

عدتك حالي لاسرّي بمستتر ... عن الوشاة ولا دائي بمنحسم

محضتني النّصح لكن لست أسمعه ... إنّ المحبّ عن العذّال في صمم

إنّي اتهمت نصيح الشّيب في عذل ... والشّيب أبعد في نصح عن التّهم

فإنّ أمّارتي بالسّوء ما اتّعظت ... من جهلها بنذير الشّيب والهرم

ولا أعدّت من الفعل الجميل قرى ... ضيف ألّم برأسي غير محتشم

لو كنت أعلم أني ما أوقّره ... كتمت سرّا بدا لي منه بالكتم

من لي بردّ جماح من غوايتها ... كما يردّ جماح الخيل باللّجم

فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها ... إنّ الطّعام يقوّي شهوة النّهم

والنّفس كالطّفل إن تهمله شبّ على ... حبّ الرّضاع وإن تفطمه ينفطم

فاصرف هواها وحاذر أن تولّيه ... إنّ الهوى ما تولّى يصم أو يصم

<<  <   >  >>