للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" ١، وكيف تحصى خصائص اسم مسمَّاه؛ كل كمال على الإطلاق وكل مدح وكل حمد وكل ثناء وكل مجد وكل جلال وكل إكرام وكل عز وكل جمال وكل خير وإحسان وجود وبر وفضل فله ومنه؟! فما ذكر هذا الاسم في قليل إلا كثّره، ولا عند خوف إلا أزاله، ولا عند كرب إلا كشفه، ولا عند هم وغم إلا فرّجه، ولا عند ضيق إلا وسعه، ولا تعلق به ضعيف إلا أفاده القوة، ولا ذليل إلا أناله العز، ولا فقير إلا أصاره غنيًا، ولا مستوحش إلا آنسه، ولا مغلوب إلا أيده ونصره، ولا مضطر إلا كشف ضره، ولا شريد إلا آواه. فهو الاسم الذي تكشف به الكربات، وتستنْزل به البركات والدعوات، وتقال به العثرات، وتستدفع به السيئات، وتستجلب به الحسنات. وهو الاسم الذي به قامت السموات والأرض، وبه أنزلت الكتب، وبه أرسلت الرسل، وبه شرعت الشرائع، وبه قامت الحدود، وبه شرع الجهاد، وبه انقسمت الخليقة إلى السعداء والأشقياء، وبه حقت {الْحَاقَّةُ} ، و {وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} ، وبه وضعت {الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} ، ونصب الصراط، وقام سوق الجنة والنار، وبه عبد رب العالمين وحمد، وبحقه بعثت الرسل، وعنه السؤال في القبر ويوم البعث والنشور، وبه الخصام، وإليه المحاكمة، وفيه الموالاة والمعاداة، وبه سعد مَنْ عرفه وقام بحقه، وبه شقي مَنْ جهله وترك حقه، فهو سر الخلق والأمر، وبه قاما وثبتا، وإليه انتهيا، فالخلق والأمر به وإليه ولأجله، فما وجد خلق ولا أمر ولا ثواب ولا عقاب إلا مبتدئًا منه، منتهيًا إليه، وذلك موجبه ومقتضاه، {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} ٢ إلى آخر كلامه رضي الله عنه.

(الرحمن الرحيم) ، قال ابن كثير: اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، و (رحمن) أشد مبالغة من (رحيم) . قال ابن عباس: " وهما اسمان رقيقان؛ أحدهما أرق من الآخر ". أي: أوسع رحمة. وقال


١ مسلم: الصلاة (٤٨٦) , والترمذي: الدعوات (٣٤٩٣) , والنسائي: التطبيق (١١٠٠ ,١١٣٠) , وأبو داود: الصلاة (٨٧٩) , وابن ماجه: الدعاء (٣٨٤١) , وأحمد (٦/٥٨) , ومالك: النداء للصلاة (٤٩٧) .
٢ سورة آل عمران آية: ١٩١.

<<  <   >  >>