للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٥٦ باب ما جاء في كثرة الحلف]

وقول الله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} ١.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للكسب" ٢. أخرجاه.

وعن سلمان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أشيمط زان، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته، ولا يشتري إلا بيمينه، ولا يبيع إلا بيمينه" ٣. رواه الطبراني بسند صحيح.

وفي الصحيح عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. - قال عمران: فلا أدري: أذكر بعد قرنه مرتين أو ثلاثًا؟ - ثم إن بعدكم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن" ٤.

وفيه عن ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته" ٥.

وقال إبراهيم: كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار.

فيه مسائل:

الأولى: الوصية بحفظ الأيمان.

الثانية: الإخبار بأن الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للبركة.

الثالثة: الوعيد الشديد فيمن لا يبيع ولا يشتري إلا بيمينه.

الرابعة: التنبيه على أن الذنب يعظم مع قلة الداعي.

الخامسة: ذم الذين يحلفون ولا يستحلفون.

السادسة: ثناؤه صلى الله عليه وسلم على القرون الثلاثة أو الأربعة، وذكر ما يحدث.

السابعة: ذم الذين يشهدون ولا يستشهدون.

الثامنة: كون السلف يضربون الصغار على الشهادة والعهد.

قوله: "باب ما جاء في كثرة الحلف".

أي: من النهي عنه والوعيد. وقول الله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} ٦.

قال ابن جرير: "لا تتركوها بغير تكفير". وذكر غيره من المفسرين عن ابن عباس يريد: لا تحلفوا. وقال آخرون: احفظوا أيمانكم عن الحنث فلا تحنثوا.

والمصنف أراد من الآية المعنى الذي ذكره ابن عباس; فإن القولين متلازمان، فيلزم من كثرة الحلف كثرة الحنث مع ما يدل عليه من الاستخفاف وعدم التعظيم لله، وغير ذلك مما ينافي كمال التوحيد الواجب أو عدمه.

قوله:"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للبركة" ٧. أخرجاه. أي: البخاري ومسلم. وأخرجه أبو داود والنسائي.

والمعنى: أنه إذا حلف على سلعة أنه أعطي فيها كذا وكذا، أو أنه اشتراها بكذا وكذا، وقد يظنه المشتري صادقًا فيما حلف عليه، فيأخذها بزيادة على قيمتها، والبائع كذاب، وحلف طمعًا في الزيادة، فيكون قد عصى الله تعالى، فيعاقب بمحق البركة، فإذا ذهبت بركة كسبه دخل عليه من النقص أعظم من تلك الزيادة التي دخلت عليه بسبب حلفه، وربما ذهب ثمن تلك السلعة رأسًا، وما عند الله لا ينال إلا بطاعته، وإن تزخرفت الدنيا للعاصي، فعاقبتها اضمحلال وذهاب وعقاب.


١ سورة المائدة آية: ٨٩.
٢ البخاري: البيوع (٢٠٨٧) , ومسلم: المساقاة (١٦٠٦) , والنسائي: البيوع (٤٤٦١) , وأبو داود: البيوع (٣٣٣٥) , وأحمد (٢/٢٣٥ ,٢/٢٤٢ ,٢/٤١٣) .
٣ البخاري: المساقاة (٢٣٦٩) , ومسلم: الإيمان (١٠٨) , والترمذي: السير (١٥٩٥) , والنسائي: البيوع (٤٤٦٢) , وأبو داود: البيوع (٣٤٧٤) , وابن ماجه: التجارات (٢٢٠٧) والجهاد (٢٨٧٠) , وأحمد (٢/٢٥٣ ,٢/٤٨٠) .
٤ البخاري: المناقب (٣٦٥٠) , ومسلم: فضائل الصحابة (٢٥٣٥) , والترمذي: الفتن (٢٢٢١ ,٢٢٢٢) , والنسائي: الأيمان والنذور (٣٨٠٩) , وأبو داود: السنة (٤٦٥٧) , وأحمد (٤/٤٢٦ ,٤/٤٢٧ ,٤/٤٣٦ ,٤/٤٤٠) .
٥ البخاري: المناقب (٣٦٥١) , ومسلم: فضائل الصحابة (٢٥٣٣) , والترمذي: المناقب (٣٨٥٩) , وابن ماجه: الأحكام (٢٣٦٢) , وأحمد (١/٣٧٨ ,١/٤١٧ ,١/٤٣٤ ,١/٤٣٨ ,١/٤٤٢ ,٤/٢٦٧ ,٤/٢٧٦ ,٤/٢٧٧) .
٦ سورة المائدة آية: ٨٩.
٧ البخاري: البيوع (٢٠٨٧) , ومسلم: المساقاة (١٦٠٦) , والنسائي: البيوع (٤٤٦١) , وأبو داود: البيوع (٣٣٣٥) , وأحمد (٢/٢٣٥ ,٢/٢٤٢ ,٢/٤١٣) .

<<  <   >  >>