والمقصود التنبيه على ذلك، ويكفي العاقل المنصف ما ذكره العلماء من كل مذهب في باب حكم المرتد، فإنهم ذكروا فيه أشياء كثيرة يكفر بها الإنسان، ولو أتى بجميع الدين. وهو صريح في كفر عباد القبور، ووجوب قتالهم إن لم ينتهوا حتى يكون الدين لله وحده، فإذا كان من التزام شرائع الدين كلها إلا تحريم الميسر أو الربا أو الزنا يكون كافرًا يجب قتاله، فكيف بمن أشرك بالله ودعي إلى إخلاص الدين لله والبراءة والكفر بمن عبد غير الله، فأبى عن ذلك، واستكبر وكان من الكافرين؟!
قوله:"وحسابه على الله" أي: إلى الله تبارك وتعالى، هو الذي يتولى حسابه، فإن كان صادقًا من قلبه جازاه بجنات النعيم، وإن كان منافقا عذبه العذاب الأليم. وأما في الدنيا، فالحكم على الظاهر، فمن أتى بالتوحيد والتزم شرائعه ظاهرًا، وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك.
واستدل الشافعية بالحديث على قبول توبة الزنديق، وهو الذي يظهر الإسلام، ويسر الكفر. والمشهور في مذهب أحمد ومالك أنها لا تقبل، لقوله تعالى:{إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} ١ والزنديق لا يتبين رجوعه، لأنه مظهر الإسلام، مسر للكفر، فإذا أظهر التوبة لم يزد على ما كان منه قبلها. والحديث محمول على المشرك. ويتفرع على ذلك سقوط القتل وعدمه، أما في الآخرة فإن كان دخل في الإسلام صادقًا قبلت.
وفيه وجوب الكف عن الكافر إذا دخل في الإسلام ولو في حال القتال حتى يتبين منه ما يخالف ذلك.
وفيه أن الإنسان قد يقول: لا إله إلا الله، ولا يكفر بما يعبد من دون الله.
وفيه أن شرط الإيمان الإقرار بالشهادة، والكفر بما يعبد من دون الله مع اعتقاد ذلك واعتقاد جميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفيه أن أحكام الدنيا على الظاهر، وأن مال المسلم ودمه حرام إلا في حق، كالقتل قصاصًا ونحوه، وتغريمه قيمة ما يتلفه.