للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: حاصله أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين: أرأيتم، أي: أخبروني عن {مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} مّا تدعون من دون الله، أي: تعبدونهم وتسألونهم من الأنداد والأصنام والآلهة المسميات بأسماء الإناث الدالة أسماؤهن على بطلانهن وعجزهن، لأن الأنوثة من باب اللين والرخاوة، كاللات والعزى {إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ} ١، أي: بمرض أو فقر أو بلاء أو شدة {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} ٢، أي: لا يقدرون على ذلك أصلاً {أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ} ٣، أي: صحة، وعافية، وخير، وكشف بلاء. {هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} ٤. قال مقاتل: فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم فسكتوا، أي: لأنهم لا يعتقدون ذلك فيها، وإنما كانوا يدعونها على معنى أنها وسائط وشفعاء عند الله، لا لأنهم يكشفون الضر ويجيبون دعاء المضطر، فهم يعلمون أن ذلك لله وحده كما قال تعالى: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} ٥. وقد دخل في ذلك كل من دعي من دون الله من الملائكة والأنبياء والصالحين، فضلا عن غيرهم فلا يقدر أحد علىكشف ضر ولا إمساك رحمة، كما قال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ٦.

وإذا كان كذلك بطلت عبادتهم من دون الله، وإذا بطلت عبادتهم فبطلان دعوة الآلهة والأصنام أبطل وأبطل، وليس الحلقة والخيط لرفع البلاء أو دفعه كذلك، فهذا وجه استدلال المصنف بالآية، وإن كانت الترجمة في الشرك الأصغر، فإن السلف يستدلون بما نزل في الأكبر على الأصغر، كما استدل حذيفة وابن عباس وغيرهما وكذلك من جعل رؤوس الْحُمُر ونحوها في البيت والزرع لدفع العين كما يفعله أشباه المشركين، فإنه يدخل في ذلك، وقد يحتجون على ذلك بما رواه أبو داود في المراسيل [٥٤٠] عن علي بن الحسين مرفوعًا: "احرثوا فإن الحرث مبارك، وأكثروا فيه من الجماجم". وعنه أجوبة:


١ سورة الزمر آية: ٣٨.
٢ سورة الزمر آية: ٣٨.
٣ سورة الزمر آية: ٣٨.
٤ سورة الزمر آية: ٣٨.
٥ سورة النّحل آية: ٥٣-٥٤.
٦ سورة فاطر آية: ٢.

<<  <   >  >>