للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اعلم أن العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم اختلفوا في جواز تعليق التمائم التي من القرآن وأسماء الله وصفاته، فقالت طائفة: يجوز ذلك، وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره، وهو ظاهر ما روي عن عائشة، وبه قال أبو جعفر الباقر وأحمد في رواية، وحملوا الحديث على التمائم الشركية، أما التي فيها القرآن وأسماء الله وصفاته، فكالرقية بذلك. قلت: وهو ظاهر اختيار ابن القيم.

وقالت طائفة: لا يجوز ذلك، وبه قال ابن مسعود، وابن عباس وهو ظاهر قول حذيفة، وعقبة بن عامر، وابن عكيم رضي الله عنهم، وبه قال جماعة من التابعين، منهم أصحاب ابن مسعود، وأحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه، وجزم بها المتأخرون، واحتجوا بهذا الحديث وما في معناه فإن ظاهره العموم لم يفرق بين التي في القرآن وغيرها بخلاف الرقى فقد فرق فيها، ويؤيد ذلك أن الصحابة الذين رووا الحديث فهموا العموم كما تقدم عن ابن مسعود. وروى أبو داود: "عن عيسى بن حمزة١, قال: دخلت على عبد الله بن عكيم وبه حمرة. فقلت: ألا تعلق تميمة؟ فقال: نعوذ بالله من ذلك قال رسول الله: "من تعلق شيئًا وكل إليه" ٢. وروى وكيع: "عن ابن عباس قال: اتفل بالمعوذتين ولا تعلق".

وأما القياس على الرقية بذلك، فقد يقال بالفرق، فكيف يقاس التعليق الذي لا بد فيه من ورق أو جلود ونحوهما على ما لا يوجد ذلك فيه، فهذا إلى الرقى المركبة من حق وباطل أقرب.

هذا اختلاف العلماء في تعليق القرآن وأسماء الله وصفاته، فما ظنك بما حدث بعدهم من الرقى بأسماء الشياطين وغيرهم وتعليقها؟! بل والتعلق عليهم، والاستعاذة بهم، والذبح لهم، وسؤالهم كشف الضر، وجلب الخير مما هو شرك محض، وهو غالب على كثير من الناس إلا من سلم الله،


١ كذا، والصّواب: عيسى بن عبد الله بن أبي ليلى.
٢ الترمذي: الطب (٢٠٧٢) , وأحمد (٤/٣١٠) .

<<  <   >  >>